صحفيون لكن سجناء

صحفيون لكن سجناء

صحفيون لكن سجناء

 العرب اليوم -

صحفيون لكن سجناء

عمار علي حسن

أعلن وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات الأستاذ خالد البلشى أنه سيتقدم ببلاغ إلى النائب العام حول أوضاع ثلاثة صحفيين، هم الأساتذة محمود أبوزيد (شوكان) ويوسف شعبان، ومجدى حسين، يطالب فيه بالتحقيق فى تدهور أوضاعهم الصحية، خاصة بعد الرسالة التى وجهها شوكان إلى نقيب الصحفيين الأستاذ يحيى قلاش يقول له فيها: «هل لك أن تنتشل ما تبقى من روحى من هذه المقبرة» فيما يقول لزملائه: «هل لكم أن تنقذونى؟».

ولا يمكن لإنسان لديه ضمير حى عامر بالخير والحق والرحمة، يقبل ما آل إليه حال السجون فى مصر، فالعدل يقتضى أن يلقى السجين، جنائياً كان أم سياسياً، محكوماً عليه أو معتقلاً معاملة تليق بآدميته، حتى لو كان قاتلاً ينتظر حكم الإعدام، أو محبوساً ينتظر أن يفصل القضاء فى الاتهامات الموجهة إليه.

وهذا أمر تنص عليه القوانين بشكل واضح لا لبس فيه، وتوضح ما للسجين من حق فى الغذاء والدواء والإيواء والسكينة، لكن الممارسات تنتهك القوانين، وتعود بنا إلى شريعة الغاب، أو تصرفات من زمن بعيد فارقته البشرية منذ قرون بعيدة، من يقومون بها لا يعبأون بكل ما تمليه مراقبة الله ومراعاته فى السر والعلن، والإذعان للضمير الحى فى الصغيرة والكبيرة، والامتثال لقواعد القانون فى النصوص وروحها، بل يتصرفون وفق ما تدفعهم إليه أهواؤهم وأغراضهم الفردية، ونفوسهم المريضة، أو ينفذون تعليمات من يتصورون أن السجن ليس تهذيباً وإصلاحاً إنما هو لاستعباد وإذلال الناس.

إن التقارير التى أصدرها المجلس القومى لحقوق الإنسان، وهو هيئة عينت الحكومة أعضاءها، فى هذا الصدد تبدو مخيفة، بل مفزعة، والأولى بالسلطة السياسية، التى تقوم على الأمر، أن تلتفت إليها، وتفهم مغزاها ومعناها، لا أن تضرب بها عرض الحائط، ظانة أنها فى مأمن من المتابعة والحساب، أو معتقدة، وهماً وبهتاناً، أن فى هذا تحقيقاً لأهدافها فى إعادة الخوف إلى القلوب، والصمت إلى الألسنة والقعود إلى الأجساد والتراخى إلى النفوس.

فالحقيقة تمضى فى طريق معاكس، إذ إن التخويف والتعذيب والإهمال والتسيب، وكله من أعمال القمع الخشن والناعم معاً، ليس بمقدورها أن تحقق أياً من هذه الأهداف، بل على النقيض تماماً، لأنها تسهم فى اتساع الهوة بين السلطة والناس، وإن ظن أهل الحكم أن قطاعاً من المجتمع معهم، يحرضهم أو يشد على أيديهم أو يصمت حيال ما يفعلونه، فهذا يجب ألا يعول عليه عاقل أو مسئول عما يقول ويفعل.

فمثل هذه السجون، فضلاً عن إسهامها فى تجريس السلطة ومنح أعدائها ذرائع للدعاية السياسية المضادة لها فى الداخل والخارج، فإنها تؤدى بالسجناء إلى مزيد من الاحتقان والغل، الذى يجعل المعتدل منهم متطرفاً، والمتطرف منهم إرهابياً، لا سيما أن دراسات عديدة قدمت أدلة قاطعة وبراهين ناصعة على أن السجون هى أحد أماكن التجنيد بالنسبة للتنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية، التى تستغل فائض الغضب الذى يعتمل فى نفوس بعض السجناء السياسيين أو حتى الجنائيين وتسحبهم إلى أرضيتها السوداء، وتقنعهم بمنطقها الانتقامى، وأفكارها العدوانية والإجرامية. فمن السجون خرجت الأفكار التى كفرت المجتمع أو رمته بالجاهلية والفسوق، وفى السجون تربى قادة هذه التنظيمات على أن الكراهية ضرورة، وحمل السلاح فى وجه الدولة والمجتمع واجب.

لا يعنى هذا بالطبع أن السجن هو السبب الوحيد للتطرف والإرهاب، فكثير من الإرهابيين القتلة ارتكبوا جرائمهم قبل أن يدخلوا السجون أصلاً، وللتطرف أسباب فكرية واقتصادية واجتماعية ونفسية متعددة ومعقدة، لكن السجن يساهم فى تعميق هذه التصورات الكريهة لدى هؤلاء، ويساعدهم على ضم مغبونين إليهم، لا سيما أنهم يتعاملون مع السجن على أنه مكان للتجنيد والتفريخ.

لقد قرأت فى الآونة الأخيرة تحقيقات صحفية، وتابعت أخباراً متناثرة، عن الحال المزرى الذى آلت إليه السجون، وهى مكان مهم لاختبار عدل السلطة وفهمها، فما وجدت إلا ما يستدعى الغضب، ويدق ناقوس الخطر، ويملى على كل صاحب ضمير حى أو وطنى غيور على مستقبل هذا البلد أن ينبه إلى عواقب وخيمة لهذا، أتمنى أن يدركها من بيدهم القرار فيسارعون إلى تصحيح هذا الخطأ الجسيم قبل فوات الأوان.

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صحفيون لكن سجناء صحفيون لكن سجناء



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab