عودة «الإسلاموفوبيا»

عودة «الإسلاموفوبيا»

عودة «الإسلاموفوبيا»

 العرب اليوم -

عودة «الإسلاموفوبيا»

عمار علي حسن

ما إن ضرب الإرهاب الأسود فرنسا، قتلاً وخطفاً وترويعاً، حتى بدأ الإعلام الغربى يشير بإصبعه إلى الإسلام، ويأخذ معه أعناق أغلبية الناس هناك قائلاً لهم: هذا الدين إرهابى بطبعه، ووسط هذا الضجيج تضيع كلمات رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس حين قال: «لا نحارب ديناً ولا حضارة إنما نحارب إرهاباً».

إنها الصورة النمطية المغلوطة عن الإسلام والشرق التى تكرست مع حركة الاستشراق فى أغلبها ولا تزال تعيش وتتمدد رغم ثورة الاتصالات وتدافع الهجرات بين الشرق والغرب وتقدم مناهج البحث والدرس والفحص والتعلم. وهى الحركة التى أنتجت معرفة نعتها المفكر والناقد الكبير إدوارد سعيد بأنها «إنشاء» أى محض اختلاق كرّس ما يريد الغرب أن يرى فيه الشرق، ولم تعكس صورتنا الحقيقية، بعيداً عن الأساطير والتصورات المغرضة.

وهذا التصور لا يزال قابعاً فى العقل الغربى حتى فى نظرته إلى آدابنا وفنوننا، إذ لا يلتقط من الأعمال الأدبية، فى الغالب الأعم، إلا ما يغذى هذه الرؤية الساكنة فى ذهنه منذ قرون ولا تريد أن ترحل.

من هنا يستدعى الغرب فى سرعة خاطفة كل هذا الموروث والإرث كلما لحقه أذى من متطرفين يتخذون من الإسلام عقيدة سياسية لهم، أو يوظفونه بوقاحة شديدة فى تبرير القتل والتدمير الذى يشكل جزءاً أصيلاً من وسائلهم نحو تحقيق أهدافهم المريضة، ويبنون حوله سياجاً غليظاً من الأفكار والتصورات والآراء الفقهية المغلوطة، والتأويلات المعوجة والفاسدة للنص القرآنى، واستلهام تجارب تاريخية وقعت فى الزمن البعيد من الخلافتين الأموية والعباسية والتعامل معها باعتبارها صحيح الدين أو عموده الفقرى أو النماذج والأمثولات الأوْلى بالاتباع والتقليد.

وهذه الرؤية الغربية تمثل للأسف الوجه الآخر لما يؤمن به المتطرفون الإسلاميون، وفى مقدمتهم منظّر جماعة الإخوان سيد قطب الذى يرى الغرب فى كتبه، مثل «هذا الدين» و«المستقبل لهذا الدين» و«معركة الإسلام والرأسمالية»، على أنه «صليبى» و«عدوانى» و«حاقد» و«إلحادى» و«إباحى» و«مادى» و«استغلالى»، وهذه المصطلحات شاعت بإفراط فى كتابات وتصورات المتطرفين الإسلاميين حيال الغرب.

ولا يريد الغرب أن يفهم أن أكثر من يدفعون ثمناً باهظاً جرّاء أفعال الإرهابيين هم المسلمون أنفسهم، ففى يوم حادث باريس ضد محررى ورسامى جريدة «شارلى إيبدو» وقع حادث إرهابى مواز فى صنعاء قُتل فيه ضعف مَن قُتلوا فى فرنسا تقريباً. والشرطى «أحمد» الفرنسى قُتل فى معركة ضد الإرهاب يوم قُتل الشرطى «محمد» فى مصر بأيدى إرهابيين.

ومَن يعانى من أفعال تنظيم «داعش» الإرهابى فى العراق وسوريا أغلبهم من المسلمين، و«القاعدة» تضرب فى اليمن جنوداً ومدنيين مسلمين، وفى مصر يُقتل جنود وضباط من الشرطة والجيش أغلبهم من المسلمين، وتُزرع القنابل وسط المدنيين فى بلد تصل نسبة المسلمين فيه إلى نحو 93% من السكان. وعلى مدار عقود من الزمن، تحديداً منذ أن بدأ التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين فى أربعينات القرن العشرين عملياته الإرهابية، وهناك مسلمون يُقتلون تباعاً على أيدى الجماعات الإرهابية التى قتلت نحو مائة ألف مسلم فى الجزائر خلال العشرية الدموية 1989- 1999، ويسقط كل يوم مسلمون فى ليبيا بأيدى التنظيمات الإرهابية التى تصارع على السلطة، وقُتل مسلمون أيضاً فى تونس والمغرب ونيجريا ومالى والصومال وأفغانستان وباكستان والسعودية والأردن... إلخ.

إن الإرهابيين ينطلقون، فى تبريرهم للقتل الذى لا يفرق بين أديان ضحاياهم، من النظر إلى المجتمع المسلم باعتباره مجتمعاً جاهلياً أو كافراً وبالتالى يستبيحون فيه الدماء والأموال والأعراض، وإلى المجتمع الغربى بوصفه «دار حرب» فى وجه «دار إسلام» حسب التقسيم السياسى القديم للعالم، وتأتى مسألة «الولاء والبراء» لتعمق هذا الانقسام الذى يتوهم فيه الإرهابيون أنهم هم الذين يمثلون صحيح الإسلام، ويعيشون فى هذه الكذبة، ويرتبون عليها كل سلوكهم الدموى التدميرى الذى يتنافى تماماً مع تعاليم الإسلام ومقاصده.

إن الإرهاب يستهدف الجميع، وبالتالى يجب أن يتحد الكل فى وجهه، وهم مدركون الفارق الهائل بين الإسلام كدين ينص القرآن على أنه رسالة رحمة للبشرية جمعاء، وبين أفكار تعشش فى رؤوس المتطرفين وتدفعهم إلى ارتكاب أعمال إرهابية وجرائم منظمة ضد الناس يرفضها الإسلام والأغلبية الكاسحة من المسلمين.

arabstoday

GMT 07:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

شريك المأوى

GMT 07:15 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لا تنتخبوا مرشحي المال الأسود

GMT 07:12 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

“الكباريتي” رجل دولة من طراز مختلف

GMT 07:10 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لماذا نشعر بالقلق أكثر من أى وقت مضى؟

GMT 06:57 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

يكسب دائمًا

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 06:44 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

قضايا انتخابية 2024

GMT 06:39 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مرونة أم تنازل؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة «الإسلاموفوبيا» عودة «الإسلاموفوبيا»



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - أشهر الجزر السياحية في فينيسيا لقضاء عطلة ممتعة
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab