المعهد السويدى كان فى الإسكندرية

المعهد السويدى.. كان فى الإسكندرية

المعهد السويدى.. كان فى الإسكندرية

 العرب اليوم -

المعهد السويدى كان فى الإسكندرية

مصطفي الفقي
بقلم مصطفي الفقي

عندما بدأت العمل مديرًا لمكتبة الإسكندرية عام 2017 تعرفت على كيان أجنبى متميز يضاف إلى رصيد التعددية التى ازدهرت بها مدينة الإسكندرية عبر القرون فكانت تضم إلى جانب المصريين جاليات يونانية وإيطالية وأرمنية وشامية، بالإضافة إلى وجود يهودى مقيم بحيث تعايشت كلها ثم تشكلت منها أبعاد الشخصية المحورية لتلك المدينة التى عرفت بتعدد الثقافات والديانات وبقيت دائمًا مظهرًا حيًا للتفاعل البشرى وتجربة التعايش المشترك منذ طفولة التاريخ، أعود إلى المعهد السويدى الذى قمت بزيارته بعد وصولى إلى الإسكندرية بأسابيع قليلة فوجدت المبنى يتميز بطرازه المعمارى وجمال بنائه الذى جعله بحق أيقونة وسط مبانى الإسكندرية العريقة، ولقد درست طبيعة أنشطة المعهد ودوره التثقيفى والاجتماعى والموضوعات التى يطرحها للدراسة، واكتشفت أن فيها مايعزز الصورة التى تكونت لدى البعض وأدت إلى التباس دور تلك المؤسسات الثقافية الأجنبية وتداخلها مع بعض الأنشطة غير المقبولة فى بلادنا والتى تحتاج إلى المزيد من الدراسة وسعة الفهم قبل أن تتكون، إن مصر هى أم الحضارات ومن هنا جاءت التسمية المعروفة عن مصر (أم الدنيا) كما سماها حاكم أكبر دولة فى العالم منذ أسابيع قليلة فى قمة شرم الشيخ الرئيس الأمريكى جو بايدن، ولقد تناقشت كثيرًا مع هيئة المعهد السويدى عن سبب انتقالهم من مصر إلى الأردن وكانت إجابتهم مهذبة وغير واضحة فى الوقت ذاته وكان لديهم ما لا يريدون قوله، واقترحت عليهم أن يتركوا المبنى فى حيازة مكتبة الإسكندرية تمارس منه نشاطًا حضاريًا مشتركًا ينطلق من عروس البحر المتوسط ليتعامد مع الحضارات والديانات الإفريقية والآسيوية والأوروبية التى تحيط بقلب العالم القديم، وفهمت منهم أن المبنى مملوك للكنيسة فى السويد وطلبت أن يأتينى من أتحاور معه فى هذا الشأن، وجاءنى مسئول سويدى من بلاده واتفق معى عند مناقشة الأمر أنه لا توجد مؤسسة ثقافية فى مصر يمكن أن ترعى المعهد السويدى إذا استمر إلا مكتبة الإسكندرية بتاريخها العظيم وحاضرها الرائع، ثم انقطعت أسباب الحوار فجأة واتخذت الحكومة فى السويد قرارها بالانتقال إلى دولة الأردن الشقيق حتى كشف الكاتب الوطنى القدير والمثقف المصرى اللامع د. محمد أبو الغار ما جرى وهو ما دفعنى إلى كتابة هذه السطور لأننى مؤمن بأن مصر هى مصدر القوى الناعمة التى تصدرها للغير حتى ولو كانت بالشراكة مع طرف ثالث، ويهمنى هنا أن أسجل الملاحظات الآتية:

الأولى: إننى أعترف بدايًة أننى ممن يدركون أن الحضارات تتواصل، وأن الثقافات تتداخل، وأن العزلة حالة شاذة فى العلاقات الدولية المعاصرة وأنه لا يمكن أن يعيش المجتمع منفصلًا عن باقى الكوكب، لذلك فإن وجود هيئات داخلية ومؤسسات أجنبية هو أمر له مردود إيجابى إذ إن الفوائد والمزايا التى تعود على الدولة لا توازى المخاوف الأمنية والاحترازات الوقائية اللتين أعترف بوجودهما وأهمية دورهما، ولكن البراعة الحقيقية تكون فى الموازنة بين العائد من الانفتاح والضرر من الإغلاق.

الثانية: إن الدبلوماسية المصرية هى الأعرق بين دبلوماسيات المنطقة وقد حرصت دائمًا على ذلك، وعندما كنت مديرًا لمكتبة الإسكندرية كنت أسعد باستضافة مبنى المكتبة لمقر منظمة (آنا ليند) الداعية إلى التسامح بين الأمم والتقارب بين الشعوب، وتلك هى مصر وروحها الموروثة.

الثالثة: إن المبالغة بالتهويل أو التهوين فى مسألة الأمن المتصل بسلامة الدولة ومنشآتها ومواطنيها هو خط أحمر لا يتجاوزه أحد، وليس ذلك بدعة مصرية ولكنه ظاهرة عالمية خصوصًا مع تنامى المد الإرهابى وشيوع الجريمة المنظمة واستهداف دول بذاتها لأنها تمثل رمزًا خاصًا عبر التاريخ ومن خلال موقعها الجغرافى ولعل مصر أوضح نموذج لذلك.

الرابعة: إن الوجود الأجنبى الآمن ضيف فى بلادنا هو أمر يمثل إضافة إيجابية لنا، بينما تبدو حالة النفور والاستغناء والتهويل أمورًا لا فائدة منها ولا جدوى، لذلك فإن الإخراج السليم لمثل هذه الموضوعات ينبغى أن يضع حسابات المكسب والخسارة أمام صانع القرار حتى يكون القرار سليمًا لا يثير لغطًا حول الدولة فى الخارج ولا يعطى انطباعًا سيئًا يستخدمه أعداء الوطن.

الخامسة: يجب أن نلاحظ أننا عندما تراخينا فى نظامنا التعليمى تراجعت سمعتنا المدرسية والجامعية منذ عدة عقود، وقد أسهم فى وجود ذلك التدهور الاعتماد على نظرية الأعداد الكبيرة فى مراحل التعليم المختلفة، وعندما تقلصت أدواتنا الثقافية والتعليمية فقد تقلص معها تلقائيًا دور مصر السياسى ونازعتها دول أخرى - زعامة وريادة - ولكن لم يتحقق لها ذلك بسبب قوة الدفع المتراكمة تاريخيًا فى رصيد مصر إقليميًا ودوليًا .

السادسة: إننى أنزعج كثيرًا عند إطفاء أحد المصابيح المضيئة فى سماء الوطن وأدرك جيدًا أن ذلك جزء لا يتجزأ من غياب قدرتنا على التقاط الفرص والاحتفاظ بها إلى جانب الإدمان المستمر فى إهدار المكاسب المتاحة للوطن المصري، ولذلك أطالب بمراجعة تجربة المعهد السويدى خصوصًا أن لدينا الكثير مما نقوله فى هذا الشأن .

إن الوجود الأجنبى فى مصر ليس خطيئة أو عيبًا ولكنه قوة مضافة إلى ما نملك من مقومات يجب ألا تضيع أبدًا، بل يتحتم البناء عليها والاستفادة منها وتعظيم دورها من أجل صورة مشرقة لمصر بشعبها العريق وأرضها الطيبة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعهد السويدى كان فى الإسكندرية المعهد السويدى كان فى الإسكندرية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab