اعترافات ومراجعات 49 التحفظ والبوح

اعترافات ومراجعات (49).. التحفظ والبوح

اعترافات ومراجعات (49).. التحفظ والبوح

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 49 التحفظ والبوح

بقلم - مصطفي الفقي

البوح هو أن يفصح المرء عن فكرة دفينة أو خبر مجهول أو رأى مكتوم، وقد كان الكاتب الراحل مفيد فوزى يسرف فى استخدام هذا التعبير ضمن كلمات أثيرة كان يهوى استخدامها، وأنا شخصيًا من دعاة المزيد من البوح والتوقف عن الكتمان المصطنع الذى لا مبرر له، ولابد أن أعترف بأن هذه الخاصية قد كلفتنى كثيرًا فأنا مؤمن بأن درجة السرية لا ينبغى استخدامها إلا عندما يتعلق الأمر بالأمن القومى أو خصوصية الآخرين.

أما الإسراف الشديد فى التعمية والإخفاء وحجب المعلومات والقيود على الأخبار، فإنها لوازم سلبية تضرب الشفافية فى مقتل وتسمح بحالة من الضبابية والغموض اللذين يدفع المجتمع ثمنهما ولو بعد حين، ولعلى أسجل هنا أن هناك ملاحظات مبدئية لابد من التسليم بها قبل طرق هذا الموضوع شديد الحساسية لأنه يتصل بما ينشر وما لا ينشر، بما يقال وما لا يقال، بالمسموح والممنوع، ولعلى أطرح هنا الملاحظات التالية:

أولًا: لست من هواة التحفظ الشديد، فضلًا عن الكتمان الخبيث الذى ينطوى على مصلحة خاصة أو إيثار للسلامة والبعد عن الدخول فى مواقف، وذلك فى إطار سلبية واضحة وهروب متعمد من المواجهة مهما كانت نتائجها، ولابد أن أسجل هنا أن الإطار الأخلاقى هو وحده الذى يمثل الحدود الفاصلة لما يمكن أن يقال أو ما لا يقال.

ثانيًا: إن الإسراف فى البوح بمبرر أو بدونه هو عملية تكوين غير شرعى للشائعات والأقاويل واصطناع المواقف واختلاق الأخبار، لذلك فإن الحذر مطلوب بل وواجب فى كثيرٍ من الأحيان، كما أن الاستغراق فى ترديد الموضوعات يسلب من صاحبها قدرًا كبيرًا من مكانته بل وينال من قيمته.

ثالثًا: إن المضى وراء مفهوم الانفتاح الزائد على الآخر له مضار لا تقل بل قد تزيد عن الكتمان المتعمد والتحفظ الشديد، لذلك فإن الحكمة وحدها هى معيار المفاضلة بين الاثنين معا والتوازن مطلوب بين طرفى النقيض وهما الإسراف فى البوح والثرثرة فيما لا يجب وبين الغموض المريب دون سبب واضح أو مبرر منطقى، ويكفى أن يعرف المرء ماذا ومتى وأين يقول؟ فذلك هو المعيار الأمثل للبوح المطلوب بديلًا للكتمان الغامض دون مبرر معقول، ونتذكر هنا الحكمة القائلة: (احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فإذا انقلب الصديق عدوًا كان أعلم بالمضرة).

رابعًا: إن فلسفة البوح تقوم على الشفافية المشروعة وإبداء الآراء بموضوعية وصراحة دون شخصنة تحيل الأمر إلى مصلحة ذاتية لا علاقة لها بالأطر الأخلاقية، لذلك فإننى أزعم أنه ليس كل البوح شرًا ولا كل التحفظ خيرًا، بل قد يكون الصحيح هو العكس فى كثير من الحالات التى لم يصل لها العقل البشرى فى وقتها، كما أن الأجواء الضبابية تؤدى إلى حرمان أصحاب الحق فى المعرفة الحقيقية ودعاة المعارضة الموضوعية، وتحيل الأمر برمته إلى نوع من التركيز فى بؤرة واحدة مع حرمان الآخرين من حق طبيعى فى المعلومات والأخبار.

خامسًا: إن الأمر قد يرجع إلى طبيعة الشخصية، فهناك نوع من الناس يبدو متحفظًا بطبيعته مغلقًا بفطرته يأخذ ولا يعطى بل ويفكر فى ذاتية انطوائية قد لا تتيح للبعض فهمها، بل وتؤدى إلى نوع من التسريبات الخاطئة والمعلومات المغلوطة والآراء المشبوهة.

هذه خواطر رمضانية رأيت أن أشترك فيها مع القارئ لفهم طبيعة الحوارات التى تدور حولنا والأفكار التى تتركز علينا مؤمنًا بأن مناخ الحرية والتعددية والانفتاح يزيل بالضرورة جزءًا كبيرًا من مخاطر التحفظ بل والبوح أيضاً لأنه يضع حدودًا للفصل بين النقيضين فى إطارٍ أخلاقى معترف به لدى كافة الأطراف.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 49 التحفظ والبوح اعترافات ومراجعات 49 التحفظ والبوح



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab