هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد

هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد؟

هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد؟

 العرب اليوم -

هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد

بقلم: مصطفي الفقي

عندما كان إخفاق العمل العربى المشترك واضحًا فى عقودٍ مضت جرى الحديث عن الخروج من دائرة السياسة إلى توظيف البعد الاقتصادى لخلق نوع من التكامل بين الدول العربية، وارتطم الأمر بعقباتٍ مازالت قائمة حتى الآن، وأعنى بها ذلك التفاوت فى مستويات الدخل القومى ولا أقول الدخل الفردى لأن قضية عدالة التوزيع ذات أبعاد أخرى لا نتطرق إليها فى هذا المقال، ولكننا نشير إلى حجم الثروة الطبيعية والبشرية لكل قطر عربى وتأثير الفوارق الواضحة بينها على مفهوم التكامل العربى من الناحية الاقتصادية، وقد حاول البعض الهروب من ذلك العامل المتصل بالتفاوت الاقتصادى إلى التركيز على العامل الثقافى - وأنا أنتمى إلى هذه الطائفة لعلمى بالمحاذير الكبيرة لمثل هذا الطرح - فهناك إحساس عام لدى بعض الأنظمة العربية خصوصًا تلك التى تركزت ثروتها فى البداية فى ظل الاقتصاديات الريعية مثل عوائد بيع البترول المتراكمة عبر السنين، وهو أمر يثير مخاوف أبناء الدول الثرية عمومًا رغم أنهم فتحوا أبواب بلادهم _ والحق يقال_ للعمالة العربية وغير العربية للإسهام فى بناء الدولة العصرية فى تلك الأقطار، ولكن ظل هناك إحساس مستتر بأن من لا يملكون يتطلعون فى الغالب إلى من يملكون، وليس ذلك الأمر صحيحًا على إطلاقه فقد أفادت معظم الدول العربية الفقيرة من تلك الثروة العربية الطارئة حيث امتصت دول النفط قدرًا كبيرًا من العمالة واستقبلت مئات الألوف من العاملين والعاملات من الأقطار الشقيقة على امتداد العقود الأخيرة، ولذلك فإن الانتقاد الذى يتم توجيهه أحيانًا إلى دول (الثروة) خصوصًا من أبناء دول (الثورة) هو انتقاد جارح ينطوى على نوع من التعميم ولا يعبر بدقة عن الحقيقة، ومع ذلك فإن الأمر لا يخلو من الدهشة أحيانًا لحجم الإنفاق السنوى لبعض الدول العربية الغنية مقارنة بالظروف الخاصة التى جعلت الفقر قنبلة عالمية موقوتة، ولا يخفى على أحد أن ثورات الربيع العربى كانت تعبيرًا عن هذا المعنى وجاءت فى إطار هذا السياق، فلقد كانت المطالبة بالعدالة وتوفير لقمة العيش فى صدر شعارات تلك الثورات حتى إن البعض توهم أن الثورة ترتبط فقط بالنظام الجمهورى ولا علاقة لها بدول الممالك، وهو قول غير دقيق أيضًا فالمسألة لا ترتبط بالنظام السياسى قدر ارتباطها بالأوضاع الاجتماعية ومستويات المعيشة وحجم البطالة خصوصًا بين الشباب، لذلك كان من الطبيعى أن أفكر فى محاولة إيجاد العامل المشترك بين الأقطار العربية والذى لا يثير مشكلة على المستوى العربى قوميًا وقطريًا على السواء، فالعامل الثقافى مشترك بين الجميع كما أن له بعدًا حضاريًا يتصل بالتاريخ الاجتماعى لتلك الدول والعمق التراثى لكل منها، فالثراء ليس أموالاً فقط ولكنه أيضًا تراكم حضارى جرى تكوينه عبر السنين من أجيالٍ متعاقبة وفى عصورٍ مختلفة، ويهمنى هنا أن أسجل الملاحظات التالية:

أولاً: إن الهيكل الاقتصادى لكل دولة يعتمد بالدرجة الأولى على حجم الثروتين البشرية والطبيعية، ولقد عرفنا فى مراحل مختلفة من تاريخ المنطقة كيف أن الثروة أعطت لأصحابها بديلاً قويًا اختصرت به عقودًا من الجهد المطلوب وحرقت به مراحل كان لابد أن تقطعها فى الأحوال العادية، ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لدول أخرى، من هنا فإن التفاوت بين الهياكل الاقتصادية العربية هو أمر متوقع ويتسق مع إمكانات كل دولة فى إطار ما تملك من ثروة طبيعية أو بشرية.

ثانيًا: إن الهياكل الاقتصادية العربية تخضع فى كل دولة لعوامل أخرى فى مقدمتها المستوى الذى بلغته التكنولوجيا فى تلك الدول، فالثروة الراكدة لا محال زائلة ولكن الثروة التى توظف التكنولوجيا الحديثة هى التى تدرك جيدًا شكل المستقبل والتزاماته التى لا يمكن تجاهلها كما أنها تستعد لمرحلة ما بعد نضوب مصادر الاقتصاديات الريعية الخاصة بها، فدوام الحال من المحال وكل يومٍ تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن، لذلك فإننى أنظر إلى التقدم التكنولوجى فى بعض دول الثروة العربية بارتياح شديد وأرى أن فى الأمر برمته ميزات تنسحب على الجميع وليست على من يملكون فقط دون غيرهم من الدول الشقيقة.

ثالثًا: إن التشابه فى هياكل الاقتصاديات العربية عمومًا قد أدى إلى ضعف التجارة البينية على المستوى العربى الشامل وجعلنا فى كثير من الأحيان نواجه علاقاتٍ اقتصادية عربية - عربية تتسم بالهشاشة والضعف الملحوظين، من هنا تبدو أهمية المشروعات العربية الكبرى ذات الأبعاد المشتركة خصوصًا فى قطاعات التصنيع والتعليم والتدريب فضلاً عن الشركات الناجحة ذات الاختراقات العابرة للأقطار العربية فى كل الظروف.

رابعًا: إن إعمال مبدأ التوزيع العادل فى تنوع المنتجات العربية فى كل قطر هو إضافة للناتج العربى القومى عمومًا، فالميزة النسبية فى اقتصاديات كل دولة تقوم على ماهو متاح لديها خصوصًا فى قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، كما أن هناك بعض الدول خصوصًا فى الجزيرة والخليج تسعى لتنوع هياكلها الاقتصادية لتشمل جميع القطاعات بغير استثناء على اعتبار أن التكامل الاقتصادى يحتاج إلى تعددية وتنوع فى كل الأحوال.

... هذه ملاحظات سقناها حول أوضاع الاقتصاديات العربية وإمكانية الانطلاق منها نحو تكامل اقتصادى عربى تخضع له الهياكل الاقتصادية فى كل دولة عربية ويكون مستجيبًا فى الوقت ذاته لنداءات الشارع فى كل قطرٍ على حدة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد هل هناك هيكل اقتصادى عربى واحد



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab