بقلم : مصطفي الفقي
كاتبة مصرية عظيمة وكاتب مصرى له وزن خاص فيما قرأت، أما الأولى فإننا نعتز كثيرًا بأننا نواكب عصر سناء البيسى التى تضم باقة فريدة من زهور الفكر وورود المعرفة، فهى أيقونة بالمعنى الحقيقى للكلمة ويكفى محاولاتها الدائمة لتطويع اللغة الرصينة لتكون مقبولة فى حياتنا اليومية، إنها سيدة المقال الصحفى بلا منازع وهى صاحبة الرأى الخاص بلا جدال، وهى أديبة وفنانة وسيدة متألقة فى محافل الفكر والثقافة وغصون المعرفة المختلفة، عرفت هذه السيدة الفاضلة من خلال كتاباتها التى تابعتها بنهم واهتمام فى السنوات الثلاثين الأخيرة كما تابعت إصدارها الرائع "نصف الدنيا" وآمنت دومًا بأنها قادرة على صياغة الحياة حولها على نحو مبهج وبروحٍ صافية، وهى قرينة الفنان التشكيلى الراحل منير كنعان والتى لاتزال وفيّة لفنه حريصة على إنتاجه الذى يضعه كما يضعها فى مصاف كبار الفنانين والفنانات للفن التشكيلى بكل مراحله، فضلاً عن الرؤية العصرية عند اختيار الكلمات وانتقاء الألفاظ وصك الجمل والعبارات، وأنا لا أخفى انحيازى التام لها واحترامى الشديد لدورها وشغفى المتزايد لقراءة ما تكتب، فهى تملأ صفحة كاملة بأفكارها الرائعة ولغتها المتميزة وكأنما تقدم فى كل مرة بحثًا لنيل درجة علمية عليا، بل وتدفع بهذه الأفكار الرصينة والرؤى السليمة بين ثنايا السطور وتمزج الثقافتين العربية الإسلامية فى جانب والأوروبية الغربية فى جانب آخر لتقدم فى النهاية مزيجًا رائعًا من المعارف وخليطًا من الأفكار التى تترك بصماتها الباقية لدى الأجيال القادمة، ولقد أتيح لى أكثر من مرة أن أناقش بعض كتبها الرائعة فى محافل ثقافية عامة وبهرنى فهم الناس لها رغم تأرجح ألوانهم بين مفكرين متعمقين ومواطنين بسطاء، فالبضاعة الجيدة تعلن عن نفسها وتفرض وجودها دومًا، وهذا ما آمنت به دائمًا كلما قرأت سطرًا لهذه الكاتبة المتميزة التى تملأ حياتنا ثقافة وفكرًا وعلمًا ونورًا، وكم تمنيت لو أن الدولة كرمتها على مستوى الوطن بأرفع الدرجات وأعنى بها جائزة النيل العليا التى تستحقها سناء البيسى بجدارة واحترام، أما الكاتب الثانى الذى كان يصوغ رواياته الرائعة فى منتجعه بين المقابر، وكأنما، يقف على الحافة بين الحياتين الدنيا والآخرة، فهو خيرى شلبى الذى يعد نسخة موازية لأديب نوبل نجيب محفوظ، وهو صاحب مزاج خاص ورؤية مستقلة ونظرة فريدة للحياة، وقدم للمجتمع الأدبى والثقافى روائعه الباقية، فاجأنى ذات يوم ونشر بحثًا طويلاً فى إحدى المجلات الشهيرة فى مصر تحت عنوان (المفهرس) شارحًا فيه تكوينى الثقافى والفكرى عارفًا بدقائق حياتى على نحو أكاد لا أتذكر بعض تفاصيله، ولم يكن للرجل بى صلة كبيرة، ولكنها رؤية المفكر والأديب والروائى التى تصوغ مايريد أن يتحدث عنه أو يكتب فيه، لقد توصل خيرى شلبى إلى حقائق كنت أختزنها فى أعماقى وأظن أن الوصول إليها صعب، فإذا الرجل يكشف عنها النقاب ويضعنى فى المكان الحقيقى الذى أستحقه إيجابًا وسلبًا، إنه ذلك الأديب القادم من دلتا مصر إلى العاصمة بصخبها وضوضائها وما يجرى فيها ليضع اسمه بين كبار الكتاب وأشهر الرواة، إن خيرى شلبى درة ثقافية نادرة يعرفها الأدباء والنقاد ويدرك قيمتها كل من يتعاطى فنون الرواية أو تسكنه روح الأدب على المستويين النخبوى والشعبوى، ولم ينل الرجل تقديرًا رسميًا يذكر فى حياته، وظل عازفًا عن الأضواء راهبًا فى محراب الكلمة، ولكنه ترك أثرًا عميقًا فى العقول والقلوب، معًا وأضحى علامة بارزة فى تاريخ الأدب المصرى، ثم انسحب من الحياة فى صمت وهدوء. مودعًا كل من قرأ له أو عرف عنه بكل التقدير رغم لوعة الغياب والحزن على كاتب رفيع الشأن.
اخترت الكتابة عن هاتين الشخصيتين لا لأنهما كتبا عنى أكثر من مرة وأعطيانى أكثر مما أستحق، وإنما لأننى أدرك أن قيمة العظماء باقية حتى بعد أن يبرحوا الدنيا الفانية.