بقلم مصطفي الفقي
أكتب عنها الآن متواكبًا مع عيد ميلاد الرئيس الراحل السادات، وما أكثر ما كتبنا عنه من وجهات نظر مختلفة تقف كلها على أرضية وطنية، والآن أكتب عن قرينته التى عرفتها عن قرب ووجدت فيها سيدة مصرية رائعة، تنضم إلى كوكبة فاضلة من سيدات عظيمات كن قرينات لرؤساء الدولة المصرية وتركن بصمات طيبة، مع اختلاف الشخصيات وتنوع الأنشطة، فمن السيدة الجليلة تحية عبد الناصر بوقارها ومكانتها الرفيعة، إلى السيدة جيهان السادات بشخصيتها الجذابة وذكائها الاجتماعى الخارق، إلى السيدة سوزان مبارك بثقافتها الرفيعة وعلاقاتها الدولية المتميزة، مرورًا بزوجة الرئيس الانتقالى المستشار الجليل عدلى منصور وهى سيدة مصرية فاضلة، حتى أصبحنا أمام نموذج السيدة المصرية الصميمة انتصار السيسى التى تشارك شعبها فى المناسبات الوطنية والأعياد الدينية بكلمات واضحة تفيض حبًا للوطن وحرصًا عليه، ولعلى أشير أيضا إلى السيدة قرينة المشير حسين طنطاوى الرئيس الفعلى للدولة بعد أحداث 25 يناير 2011 مباشرة، وهى المعروفة بتواضعها الشديد وبساطتها الزائدة وخلقها الكريم، وأشير كذلك إلى قرينة الدكتور محمد مرسى رئيس دولة الإخوان والتى كان لها نشاط فى بعض المؤسسات الثقافية فى سنوات دراسته بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا نقف اليوم أمام النموذج الخاص بالسيدة جيهان السادات التى انضم رفاتها إلى جانب رفيق العمر الرئيس الراحل السادات فى استثناء لم يحدث إلا لها تقديرًا لمكانتها واعترافًا بفضلها، وقد رأيتها أول مرة وأنا دبلوماسى صغير عام 1971 فى القنصلية المصرية بلندن، وراعنى منها تواضعها الشديد حيث إنها كانت تتحدث إلىّ وأنا دبلوماسى صغير فى بداية حياتى الوظيفية قائلة: (حضرتك)، وكان يزور لندن فى ذلك الوقت رائد القصة القصيرة الراحل يوسف إدريس وجمعنا السفير محب السمرة على مائدة الغذاء على شرف الضيفة الكبيرة عدة مرات، وفاجأتنى قائلة: أين زوجتك، فقلت لها: إنها فى القاهرة تستعد لاستقبال المولود الأول فنادت أحد مساعديها وقالت له خذ رقم هاتفها حتى نتصل بها عند العودة إلى القاهرة للسؤال عنها والاطمئنان عليها!. وكانت تلك مفاجأة كبيرة جعلتنى أدرك أن هذه السيدة تملك القدرة على اجتذاب الناس وكسب الود وفتح جسور التواصل الإنسانى مع كافة المستويات، وفى المساء كنا مدعوين لحفل استقبال على شرفها وكنت بصحبة الوزير المفوض الراحل يحيى سامى، وقد كانت زوجته تمت بصلة قرابة مباشرة بالسيدة الجليلة تحية قرينة الرئيس عبد الناصر لذلك لم يكن ذلك الدبلوماسى الكبير مرتاحًا للقاء قرينة الرئيس الجديد، ولكنه واصل الحديث معها وأدهشه أدبها الجم حتى نادت مصور الحفل وطلبت التقاط صورة لها مع ذلك الدبلوماسى المصرى الذى كان فى لندن للعلاج،
وفى طريق عودته معى إلى الفندق وجدته قد تحول 180 درجة إعجابًا بها وتقديرًا لخلقها، فآمنت أن مفاتيح قلوب البشر قد تأتى بكلمات قليلة أو عبارات مجاملة ولو أدرك الناس أن الكلمة الطيبة صدقة لسقط كثير من أقنعة الكراهية وأردية سوء الفهم التى تصنعها الأوهام فى كثير من الأحيان، وقد رأيتها بعد ذلك عدة مرات فى منزل زوج شقيقتها الراحل الأستاذ محمود أبو وافية عندما كان يأتى لندن للعلاج ويتصادف وجودها وأكون مدعوًا عنده بحكم صلتى الطويلة به وبحكم القرب الجغرافى لموطن كل منا فى محافظة البحيرة، وكنت أزداد اقتناعًا كل مرة بأن هذه السيدة من طراز خاص، وعندما رحل الرئيس السادات فى حادث مأساوى يوم احتفاله بعيد نصره وجدتها متماسكة ومتقبلة للأوضاع الجديدة ومتفهمة لدورها كزوجة لرئيس لم يعد فى السلطة بل رحل عن عالمنا كله، وكنت أراها فى مناسبات مختلفة من خلال علاقتها بالدكتورة زينب السبكى حيث أكون مدعوًا وزوجتى بحكم صداقتنا العائلية برائدة بنوك الدم فى مصر التى صممت على التنازل لى عن رئاستها لجمعية الصداقة المصرية النمساوية فور عودتى من فيينا وانتهاء عملى سفيرًا فيها، وكانت السيدة جيهان السادات تتحدث عن الجميع بتوقير واحترام وتعطى لاسم عبد الناصر مكانته وقدره، وتتحدث عن مبارك باحترام يليق برئيس الدولة، أما عن تربيتها لأولادها فحدث ولا حرج، فالنجل الوحيد وشقيقاته الثلاث يتميزون بالأدب الشديد والرقى الأخلاقى الملحوظ، وكنت أسألها كيف نجحت فى تربيتهم بهذه الصورة الرائعة وكانت إجابتها دائمًا لقد حدث ذلك بالتوازن بين الحنان الحقيقى والشدة المحسوبة عند اللزوم، وقد كانت تحرص على حضور حفل عيد ميلادى فى السنوات الأخيرة الذى كان يحضره بعض الأصدقاء فى منزل الخبير السياحى الأستاذ عمرو بدر.. لقد كانت رحمها الله نموذجًا فى البساطة والأدب الشديد والحرص على الآخرين.. رحمها الله رحمة واسعة.