التدمير الذاتي

التدمير الذاتي

التدمير الذاتي

 العرب اليوم -

التدمير الذاتي

عمرو الشوبكي

اعتاد العالم العربى أن يتحدث عن مؤامرات الآخرين لتدميرنا، وهو فى جانب صحيح، ولكنه يمثل نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر نتحمله نحن بأفعالنا وبقدراتنا على تدمير أنفسنا سواء عن طريق نظم فاشلة ومستبدة أو خيارات سياسية كارثية أو حالة من الفوضى العبثية التى تفنن البعض فى ترويجها لتدمير أى إنجاز ولو محدود.

النظرة القاصرة هى التى تغوص فى نظريات المؤامرة ولا ترى إلا الخارج كمسؤول وحيد عن تدميرنا، وهى تساهم فى بقائنا على حالنا، لأن هذا قدرنا الذى خططت له مؤامرات المستعمرين، والوجه الآخر لنفس النظرة يتمثل فى نظريات جلد الذات التى ترى أن كل المصائب هى نتيجة الشعب الجاهل والثقافة البالية والحكام المستبدين.

المؤكد: نحن فى حاجة إلى امتلاك الجرأة فى الحديث عن مسؤوليتنا ومسؤولية الآخرين فيما أصابنا من تراجع، وأن هيمنة خطاب مسؤولية الآخرين ومؤامراتهم على الصراخ السياسى والإعلامى الآن، (وليس النقاش السياسى)، تجعلنا حريصين أكثر على الحديث عن مسؤوليتنا فيما أصابنا من تدهور، دون أن نلغى مسؤولية الآخرين وتآمرهم علينا.

والحقيقة أن أوضاعنا السيئة تطلب تشريحا نقديا حقيقيا لخطاب التدمير الذاتى الذى مارسه كثير منا سواء من النخبة أو من أهل الحكم، وشمل جوانب كثيرة، أولها تمثل فى إفشال الإنجازات، ولو على محدوديتها، فثورة يناير لم ينظر لها باعتبارها نقطة مضيئة فى تاريخ مصر الحديث كان يجب الاستفادة بالطاقات التى أطلقتها من أجل الإصلاح والتنمية والتقدم وليس من أجل الهدم والتخريب أو تفجير حملات التخوين والشتائم فى حق ملايين المصريين الذين شاركوا فيها.

كيف تحول وضع سياسى ملهم للبناء إلى طاقة سلبية جعلت قطاعا ليس بالقليل من المصريين يكره الثورة ويترحم على ما كان قبلها؟! المؤكد أن كل الأطراف مسؤولة عما آل إليه مسار البلاد بعد ثورة يناير سواء من القوى السياسية والثورية أو جماعة الإخوان المسلمين أو سلطة المجلس العسكرى، فجميعا وقعوا فى أخطاء جسيمة أدت فى النهاية إلى تحول كثير من الطاقات الإيجابية التى فجرتها يناير إلى طاقة سلبية للتدمير الذاتى.

والحقيقة أن ثورة يناير كانت تقول إن هناك طاقة ضغط جماهيرى قد فتحت لبدء مسار إصلاحى كانت له نتائج فورية أجهضت مشروع التوريث وأجبرت من بقى فى السلطة 30 عاما على الاستقالة، وأخرى مؤجلة تركت فى يد الفاعلين السياسيين ممن كانوا فى الحكم أو الشارع وأضاعوها معا.

البعض لم يهتم بنبض غالبية الشعب المصرى، وعاش فى «جيتو النشطاء» المغلق، وتصور أنه يخدم الثورة حين عيَّش مصر كلها على مدار أكثر من عام فى فعالياته الثورية التى حاصرت الأقسام ومديريات الأمن والوزارات السيادية، ونسى أو تناسى أن من تركوه يصول ويجول فى الشوارع والميادين والفضائيات المختلفة قد جعلوه مصدرا رئيسيا لخلق رأى عام غالب من المصريين رافض لممارساتهم، وينتظر بأى ثمن من يخلصهم من هذه الفوضى والاستباحة الثورية.

إن تحقيق هدف أقل من طموحات الجماهير يعنى أنك ستبقيها حاضرة معك فى معاركك من أجل الضغط على النظام القائم فى اتجاه إجراء مزيد من الإصلاحات، فى حين أن خطاب الفوضى المستمرة تحت اسم «الثورة الدائمة» يعنى عملياً أنك تفقد تعاطف أغلب الناس، سأماً من التظاهر اليومى والخوف من تفكك الدولة.

التدمير الذاتى لا يشمل فقط التشكيك فى كل احتجاج أو تحرك شعبى يقوم به الناس، فثوراته من 1919 مرورا بيوليو حتى يناير هى مؤامرات خارجية، إنما أيضا امتد ليشمل انتصارات الأمة: شعب ودولة، فى 1956 وأكتوبر 1973، من أجل إفقادك الثقة فى نفسك وفى قدراتك على القيام حتى بانتصارات مثل كل شعوب العالم والتركيز فقط على الهزائم والنكسات.

وامتد التدمير الذاتى إلى أداء كثير من القوى السياسية والحزبية، بعد أن دخلت فى خناقات جانبية وهامشية ليس فقط كما جرى، أمس الأول، أثناء مناقشة قانون الانتخابات، وفى حضور رئيس الوزراء، إنما نتيجة عجز القوى السياسية الرئيسية عن التوافق على برنامج عمل يضمن لها التنسيق فيما بينها من أجل توسيع المجال السياسى وضمان مشاركة أفضل للأحزاب.

حتماً «المكلمة» المكررة منذ عهد مبارك، والتى تقول إن فى مصر 90 حزبا، لا تتفق على شىء كمبرر لحصار العملية السياسية، هو من الأصل تصور قاصر ومنحاز، لأن فى مصر تقريبا 10 أحزاب وتيارات سياسية رئيسية فى اليمين واليسار والإسلاميين هى المطلوب أخذ رأيها فى قانون الانتخابات، وأيضا أن تتوافق على شكل العملية السياسية والانتخابية، وإذا فعلت ذلك فستغير كثيرا من المعادلات القائمة وستعيد الاعتبار للأحزاب والقوى السياسية، لأنها ستعى أن خلافها على الهوامش يدمر وجودها من الأساس، ويجعلها غير قادرة على المساهمة فى تشكيل المشهد السياسى الحالى.

التدمير الذاتى هو آفة متكررة فى تاريخنا وحياتنا السياسية والاجتماعية، وهى قد تأتى من القوى أو النظم المنوط بها البناء، فنكتشف أنها فى كثير من الأحيان لا تدمر فقط خصومها، إنما تدمر أنفسها، وربما تدمر معها طموحات وطن وأمة مازالت ترغب فى بناء نظام سياسى جديد.

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدمير الذاتي التدمير الذاتي



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab