الخوف من «يناير»

الخوف من «يناير»

الخوف من «يناير»

 العرب اليوم -

الخوف من «يناير»

عمرو الشوبكي

لا يوجد تفسير واحد لأسباب هذا الخوف الذى يستدعيه البعض كل يوم مع حلول ذكرى ثورة 25 يناير، ولا يوجد سبب مقنع يفسر هذا التحول من الاحتفال بالثورة إلى الخوف منها، ولا كيف تحولت ذكرى الحدث الأهم فى تاريخنا المعاصر إلى مصدر قلق واتهامات بالخيانة والتآمر، وتوسيع غير مسبوق فى حملات الاعتقال والملاحقة الأمنية، وفى إهدار واضح للطاقة الإيجابية، التى فجرتها «يناير» فى المجتمع المصرى، وكان يمكن أن تؤسس لدولة قانون قادرة على تحقيق أهداف الثورة فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية.

والحقيقة أن الخوف من «يناير» مرجعه الفشل فى تحقيق أهداف الثورة، رغم أن المفترض أن يكون النظام الجديد مقتنعاً بأنه لولا «يناير» لما وصل للسلطة، ولكانت البلاد ترزح تحت وطأة مشروع التوريث، وقيادات الدولة مقسمة بين «عواجيز مبارك» وشلة التوريث.

ورغم أن «يناير» كانت هى طريق وصول الرئيس السيسى وكل رموز 30 يونيو إلى السلطة، فيصبح السؤال: لماذا إذن الخوف منها؟ ولماذا وصلت سطوة الأمن لهذه الدرجة المقلقة، التى تجاوزت بمراحل ما كان يجرى فى عهد مبارك؟ وفى نفس الوقت لماذا يصر البعض على استدعاء الثورة مرة أخرى والنزول إلى الشارع مرة ثالثة، مع أن المفروض أن البلاد بدأت مسارها السياسى، وأن التغيير يأتى عبر مؤسسات وأحزاب وضغوط شعبية لا عبر ثورة؟

يقيناً هناك دعاوى إخوانية بالتظاهر والتخريب فى يناير، ومن الواضح أيضا أن هناك دعاوى ثورية واحتجاجية للتظاهر مرة أخرى سواء فى «يناير» أو فى غيرها، ويقيناً أيضا هناك رفض شعبى للتظاهر والاحتجاج ليس فقط من خلال الإعلان عن عدم المشاركة، إنما أيضا فى إدانة كل مَن يشارك فى التظاهر أو فى الدعوة مرة أخرى للثورة، حتى لو كان جزء كبير من هؤلاء غير راضٍ عن أداء النظام السياسى، إلا أنه يرفض فكرة الثورة مرة أخرى.

ويبقى السؤال: لماذا تعثرت ثورة يناير، ولماذا تحولت إلى مصدر للخوف والقلق لدى النظام السياسى ومصدر لاستمرار الاحتجاج بالنسبة لبعض الحركات السياسية الثورية؟

الحقيقة أن انتفاضة الشعب أو ثورته العظيمة فى 25 يناير كانت حدودها وسقفها الحقيقى إصلاحيا، رغم اتساع مشاركة الجماهير بصورة أكبر بكثير من بلاد أوروبا الشرقية، ففى يوم 12 فبراير 2011، أى فى اليوم التالى لتنحى مبارك، شهدنا شباب مصر ورجالها ونساءها وهم ينزلون إلى الميادين، لينظفوها ويقبلوا قرار مبارك بأن تتولى القوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، ويقبلوا- ضمناً أو صراحة- أى بديل يأتى من داخل الدولة مادام كان من خارج شلة التوريث ورجالات مبارك المقربين.

استدعاء الخوف فى ذكرى يناير جاء نتيجة غياب البوصلة عن الجميع عقب الثورة بصورة جعلت مسارنا السياسى يمر بتعرجات لم تعرفها تجربة نجاح واحدة، فمنذ سقوط مبارك لصالح الفراغ إلى مجىء الإخوان للسلطة دون دستور أو قواعد قانونية منظمة تلزمهم بها- ثم سقوطهم بثورة شعبية تطلبت تدخل الجيش لنجاحها، أعقبها مجىء السيسى للسلطة وانتخابه من قِبَل غالبية ساحقة من المصريين، واستمر فى الحكم دون وسيط سياسى ودون امتلاك رؤية تقول إن بلداً مثل مصر يحتاج لتنمية سياسية بالتوازى مع التنمية الاقتصادية، وإذا تعثرت إحداهما فستفشل الثانية.

ظلت انقلابات مصر وتحولاتها الجذرية فى الفراغ، أو بالأحرى فى الهواء الطلق، وليست متجذرة بمشروع سياسى فى أرض الواقع، فحين تنحى مبارك تاهت البلاد فى مسار انتقالى مرتبك، بسبب نظامه الشائخ ودولته المترهلة، التى لم تستطع أن تحول شعار «الجيش والشعب يد واحدة» إلى برنامج عمل يضع البلاد على مسار إصلاحى صحيح.

وعاشت البلاد على مدار عامين عصر «الفعاليات الثورية»، التى حاصرت الأقسام ومديريات الأمن والوزارات السيادية، ونسى أو تناسى كثير ممن شاركوا فيها أن مَن تركوهم يصولون ويجولون فى الشوارع والميادين والفضائيات المختلفة قد جعلوهم مصدرا رئيسيا لخلق رأى عام غالب من المصريين رافض لاحتجاجاتهم الثورية، وينتظر بأى ثمن مَن يُخلصهم من هذه الفوضى والاستباحة الثورية، وخرجت إشارات كثيرة من العباسية ومن وتجار وسط البلد تعبر عن سأمها ورفضها هذه الممارسات، ومع ذلك لم يَرَها كل مَن تربى داخل ثقافة «جيتو النشطاء»، الذى لا يرى من الأصل المجتمع المصرى.

والحقيقة أن قسوة الإجراءات الأمنية الحالية استندت على سحب الرصيد الشعبى من ثوار يناير، وتذكير المجتمع بالأيام الصعبة التى عاشها مع الفعاليات الثورية، وأصبح كل ناشط الآن مخرباً، وأى معارض متآمراً- ولو محتملًا- وتقبل قطاع واسع من المجتمع المصرى الخطاب الإعلامى والأمنى المعادى لثورة يناير، وصدق أن مصر مهددة بثورة أخرى، وليست مهددة بسبب الفشل وسوء الأداء وانتهاك كرامة الإنسان.

استدعاء الخوف سببه الرئيسى أن كثيرا ممن تصدروا مشهد «يناير» كانوا خليطا من مشارب متعددة، معظمهم أنقياء اتسموا بالنبل والشرف، وقلة منهم انتموا إلى «ثوار ما بعد الثورة» ممن خرسوا فى عهد مبارك ونطقوا بعد أن أصبحت الثورة مصدر مكانة اجتماعية ومهنة، وهؤلاء كانوا أحد مصادر تحريض الرأى العام ضد ثورة يناير.

الخوف من «يناير» سببه أولاً أداء سياسى مرتبك وغياب كامل للرؤية وضعف مؤسسى واضح، ولكنها حالة بنت شرعيتها وقوتها على فشل مدنى وثورى وإخوانى كبير على مدار الأعوام الخمسة الماضية، والمطلوب هو استعادة الخيار السياسى المدنى فى البناء والديمقراطية، وإلا فسنبقى كثيرا أسرى الخوف من «يناير»، والذى يتقبله قطاع ليس بالقليل من المصريين.

arabstoday

GMT 13:32 2024 الأحد ,04 آب / أغسطس

مدن الصيف: فسحة مش لطيفة خالص

GMT 20:06 2024 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

فتحى سرور

GMT 19:24 2024 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الجيل الرابع؟!

GMT 21:51 2024 الإثنين ,05 شباط / فبراير

«الشوطة التى شالت فيتوريا»!

GMT 19:39 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

رهانات الحكومة الخمسة لعلاج الجنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف من «يناير» الخوف من «يناير»



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 18:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
 العرب اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab