السياسة ليست فى الإعلام

السياسة ليست فى الإعلام

السياسة ليست فى الإعلام

 العرب اليوم -

السياسة ليست فى الإعلام

عمرو الشوبكي

حين نتصور أن النجاح السياسى هو أن نقول فى الإعلام كل يوم إننا انتصرنا وإننا عظماء وإن خصومنا إرهابيون وفشلة، وإننا قادرون على هزيمة الإرهاب، لأننا ندينه كل يوم إعلامياً، فإن هذا الصراخ مهما علا لن يعنى أننا انتصرنا عملياً فى هذه المعارك.

والحقيقة أن كل النظم السياسية تهتم بالإعلام. صحيح أن النظم الشمولية تعمل دائما على ترويضه أو ترهيبه، فى حين أن النظم الديمقراطية تضع له قواعد مهنية تضبط عمله وتحرره فى نفس الوقت من القيود السياسية والأمنية، إلا أن هذا لا يعنى أنه لا يتعرض فى أحيان كثيرة لمحاولات الترويض أو التوجيه بتأثير جماعات الضغط والمصالح، وتظل القواعد المهنية المنظمة لعمله بمثابة الضامن الأكبر الذى يحُول دون تبعيته الكاملة للمال والسلطة.

إن ما يجرى فى مصر على شاشات كثير من الفضائيات أمر غير متكرر فى أى بلد آخر، ولم نره فى بلادنا منذ عقود، فقد تحول النقاش السياسى إلى سجال بين إعلاميين، وتحول خلاف الأفكار والبرامج والرؤى الذى هو علامة (أو رغبة) تقدم أى أمة إلى حملات للتخوين والشتائم والمزايدات الهابطة تنال مسؤولاً حكومياً أو سياسياً معارضاً دون عرض لأى أفكار، مهما كانت بساطتها.

الموقف مثلاً من ثورة 25 يناير اشتعل بعد حكم براءة مبارك، فحتما هناك مؤيدون للثورة من القوى المدنية والتقدمية، وهناك معارضون من القوى المحافظة والتقليدية، وهؤلاء يفترض أنهم يمثلون قوى اجتماعية وسياسية، حتى لو لم تكن متبلورة فى أحزاب قوية، إلا أنها موجودة فى الشارع ووسط الناس، ومع ذلك لم نسمع صوتها فى وسائل الإعلام، إنما شاهدنا تلاسناً بين بعض الإعلاميين حول ثورة 25 يناير، مثلما نشاهد كل يوم تصريحات سطحية وأخرى كارثية وثالثة تمثل جرائم سب وقذف مكتملة الأركان، ومع ذلك لم يحاسب أحد على ما اقترف من «ذنوب هوائية».

إذا قارنت ما يجرى عندنا من «جرائم تليفزيونية» بما يجرى فى إعلام أى دولة ترغب فى أن تكون متقدمة فستجد أن الإعلام فى هذه البلدان ينقل أولًا ما يجرى، ثم يعلق ثانيًا عليه، ويعرض جدل السياسيين والفنانين والشعراء والرياضيين وغيرهم، ولا يتحول هو إلى متحدث باسمهم ونيابة عنهم، لنجد من يفتى فى السياسة والرياضة والفن، وحتى الطبيخ لساعات طويلة، أو يسب سياسيين دون أن يسمح لهم بالرد والتعليق، ودون أن يقرأ فى حياته كتاباً فى السياسة، واعتبر ذلك جزءاً من حرية الرأى والتعبير غير الموجودة فى أى بلد فى العالم.

إن القواعد المهنية التى تحكم عمل الإعلام ليست فقط حكرا على أوروبا وأمريكا، إنما تجدها أيضا فى الهند وماليزيا وتركيا وإندونيسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهى كلها بلاد ليست أوروبية (باستثناء تركيا التى يمكن اعتبارها جزئيا أوروبية) ولا غربية الثقافة، ولكنها بلاد تحترم نفسها، وتحاول أن تؤسس طريقا لتقدمها، ولذا اعتبرت أن بها صراعاً حول قضايا وأفكار واجتهادات سياسية واقتصادية متنوعة، ولا تعيش على السجالات الرخيصة والشتائم المهينة وفواصل الردح التى باتت حدثا يوميا فى كثير من قنواتنا الفضائية.

هل هناك نقاش إعلامى من أى نوع عام حول السياسات العامة: أولويات التعليم، الصحة، الخدمات، المواصلات أم فقط إشارة محافظ الإسماعيلية أو مشاكل الألتراس مع الأهلى والزمالك وخناقات الإعلاميين فيما بينهم التى أصبحت مادة مكررة فى معظم وسائل الإعلام المصرية؟

لا يوجد صراع أفكار حول أولويات السياسة، لأنه من الأصل لا يوجد نقاش عام حول قضية واحدة تخص حاضر أو مستقبل هذا البلد، إنما ثرثرة واتهامات وتخوين وجمل وشعارات كبيرة أقرب لهتافات النظم الشمولية المنقرضة، ولكن لا نقاش جاداً فى الإعلام ولا فى الصحافة حول قضايا وليس مجرد عرض للنميمة اليومية والسجالات والاتهامات المتبادلة.

لن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام إلا إذا تعود المجتمع وشرائحه الأكثر تعلما على أن عنوان التقدم هو صراع بين أفكار وبدائل متعددة تقدم بشكل مبسط للرأى العام وليس هستيريا التحريض والسباب التى كرَّهت الناس فى السياسة والمشاركة فى الشأن العام.

إن مبالغات بعض الإعلاميين ومعاركهم الهوائية تذكرك بإعلام ما قبل يونيو 67 حين كان يهتف كل يوم بالانتصار، وكان الواقع يجرى بعكس ما يقول.

هزيمة الإخوان إعلامياً لا تعنى هزيمتهم فى الشارع ومواجهة التيارات السلفية وشتيمة الشباب الثورى فى الفضائيات لا تعنى غيابهم عن أرض الواقع أو نهايتهم، ومواجهة الإرهاب لن تكون فى التليفزيون، إنما بسياسات جديدة على أرض الواقع، فانتصارات الإعلام زائفة، وغالبا ما تعكس هزيمة فى الواقع، فاحذروا ما يجرى قبل فوات الأوان.

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة ليست فى الإعلام السياسة ليست فى الإعلام



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab