عمرو الشوبكي
الشامتون فى الوطن كثر، فمنهم المرفهون من مدعى البطولة والثورية، ومنهم من تربى على عدم التمييز بين كراهية النظام السياسى وكراهية الوطن والمواطن، فأى خراب يصيب البلاد والعباد مرحب به، وأى انهيار يصيب الاقتصاد والسياحة وغلق أبواب الرزق أمام ملايين المصريين يهلل له، وأى جندى يستشهد دفاعا عن تراب البلد يعتبرونه حامى النظام لا شرف وكرامة الأمة كلها.
معارضة النظام القائم أمر طبيعى، وانتزاع حق القوى السياسية فى المعارضة أمر مطلوب، ونقد الأداء الضعيف للحكم وارد، وفضح منظومة الفشل الحكومى والثغرات الأمنية (الوجه الآخر للتجاوزات الأمنية) أمر يجب أن يعلنه أى مؤمن بالشعب والوطن، فلا توجد أى علاقة بين معارضة النظام السياسى القائم، وبين الشماتة فى مصائب الناس، لأنك تعيش داخل شرنقة الجماعة أو مرفه خارج الحدود.
لا توجد أدنى علاقة بين رفض كل أو بعض السياسات الحالية، وحتى كل الترتيبات التى أعقبت 3 يوليو، وبين أن تقول أحسن أن هناك 4 ملايين مصرى يعملون فى السياحة مهددين فى أرزاقهم، متصورا أن هذا هو طريقك لإسقاط النظام، ولا تعتبر التضامن والتعاطف مع هؤلاء واجبا وطنيا وإنسانا قبل أن تكون مؤيدا أو معارضا.
البعض يقول إن سياسات الحكم هى التى أوصلت البعض لهذا التشفى فى مصائب الوطن، والحقيقة أن هذا كلام مردود عليه، لأن سياسات الحكم قد تخلق معارضة راديكالية أو ثورية أو إصلاحية، أيا كان المسمى، ولكنها لا تخلق عند الأسوياء شماتة فى مصائب الشعب مهما كان تقدير كل واحد عن المسؤول عنها.
إن هناك نمطا من التربية العقائدية قائما على كراهية الوطن والمواطن وليس النظام القائم، فطالما أنت لست عضوا فى الجماعة فأنت مستباح لا يهم أن تفلس أو تموت، فأنت من «الأغيار» الذين لا يوضعون فى أى حساب.
ما معنى أن يبشر أحد قيادات الإخوان أنصاره بقرب التدخل العسكرى الدولى فى سيناء ومنطقة القناة، ويعتبر أن سحب السياح والمدنيين الإنجليز والروس، بداية العد التنازلى لهذا التدخل.
هل هناك مصرى طبيعى وسوى يرحب بأى تدخل سياسى أو عسكرى فى بلده؟ وهل يتصور أحد الثمن الذى يمكن أن يدفعه بلد بحجم مصر من جراء ترديد أوهام من هذا النوع عن تدخل عسكرى غربى فى القناة؟
المؤكد أن هذا التدخل مستحيل الحدوث، ولا يوجد مؤشر واحد يقول إن الغرب يفكر فى المجىء إلى سيناء ولا إلى أى جزء من الأراضى المصرية، إلا أن الخطورة فى التركيبة النفسية التى تحرض على التدخل العسكرى وترى أن معارضتها أو رفضها للنظام السياسى يبرر لها قبول أى خراب يصيب البلد حتى لو كان بالدعوة الوهمية بالتدخل العسكرى.
يقينا، نظرية الخراب المستعجل على رؤوس الناس، كطريق لتغيير النظام، هى نظرية فاشلة وسيدفع ثمنها ملايين المصريين، ولن يستطيع أحد أن يبنى شيئا بعد هدم المعبد على رؤوس من فيه.
نعم مصر تحتاج إلى معارضة، وإلى مشروع سياسى مدنى حقيقى يعمل على الأرض ويقدم بديلا ونموذجا يلهم الناس من أجل التغيير والإصلاح، ولا يكون مندوبا للخارج ولا بوقا لأجهزة الداخل، ولا يشمت فى مصائب الوطن حتى يصل للسلطة، ويعتبر أن أى مصيبة يدفع ثمنها أى مصرى هى مصيبته مهما كانت.