الشيطان يكمن فى التفاصيل

الشيطان يكمن فى التفاصيل

الشيطان يكمن فى التفاصيل

 العرب اليوم -

الشيطان يكمن فى التفاصيل

عمرو الشوبكي

معضلة مصر ليست فقط وربما أساسا فى الثنائيات الكبرى: النظام القديم والجديد، المشاريع الكبرى والصغرى أو لا مشاريع، الاشتراكية والرأسمالية، الناصرية والوفد، إسقاط النظام أم إصلاحه، وشعارات من نوع الحرب على الإرهاب والفساد والتسيب، هى كلها جانب من مشاكلنا، ولكنها تنسى أو تتناسى أن جوهرها فى تفاصيل الصورة، حيث تكمن الصعوبة، ويقبع الشيطان.

البعض يطالب الحكم بمواجهة ضارية مع الإرهاب، والبعض الآخر يشكو من التسيب وغياب الأمن فى الشوارع وانتشار العنف والبلطجة، وكثيرا ما استدعى الرئيس وزير الداخلية للتشديد على ضرورة تنفيذ تلك المطالب، والأمر نفسه ينسحب على وزارات أخرى خدمية كالتموين وغيرها، حين نسمع يجب أن «نضرب بيد من حديد على التجار الجشعين والمستغلين»، وحبس كل من لا يلتزم بالتسعيرة الجبرية وغيرها، وكثيرا ما نسمع أيضا أن حل مشكلة التعليم سيبدأ فى بناء مزيد من المدارس وزيادة عدد المدرسين، وأن مشاكل الجامعة لن تحل إلا إذا ابتعد الطلاب عن النشاط السياسى، وكانوا منضبطين يستيقظون مبكرين لمحاضراتهم، ويذاكرون فى المساء لينجحوا، وكفى المؤمنين شر القتال.

مشاكل مصر لن تحلها فقط المشاريع الكبرى على أهميتها، إنما أيضا نمط جديد من علاقات العمل ينظر إلى تفاصيل المشهد، وعلاقة رأس المال بالنظام السياسى ومعوقات الاستثمار، وطبيعة القوانين التى تنظم سوق العمل وغيرها الكثير.

الحقيقة أن معضلة مصر الأساسية أنها عاشت تقريبا طوال 30 عاما فى ظل «لا نظام» فلم تكن القضية أننا نعيش فى ظل نظام اشتراكى، وقررنا أن نتحول نحو الرأسمالية أو العكس، إنما كنا نعيش فى ظل «لا نظام» وعرفنا جهازا إداريا مترهلا محدود الكفاءة وقوانين بالية لم يحاول أحد إصلاحها، وعشنا فى ظل شعارات عامة عن الأمن والأمان والاستقرار كفلسفة للنظام الأسبق، ودون أى دخول فى تفاصيلها.

صحيح أن مصر تحتاج إلى تطبيق رادع للقانون فى مواجهة التسيب والإهمال، ولكن السؤال: لماذا يوجد إهمال وتسيب؟ وهل مواجهته «بشد الوزير» أو المسؤول، أم بفتح الباب تدريجيا للدخول فى «عش الدبابير» الموجودة فى كل مؤسسة أو وزارة؟

إذا أخذنا الداخلية مثلا، فهل سيفتح ملف التفاوت الكبير فى رواتب الضباط حسب الأماكن (أغلبها ليس الأماكن الخطرة أو فرق مكافحة الإرهاب)، وعلاقة أمناء الشرطة وأفراد الأمن بالضباط هل هى علاقة صحية؟ وهل عملية اختيار ومحاسبة رجال الشرطة تحتاج إلى مراجعة؟ وهل نقص التسليح عند الأفراد وبعض الأمناء يرجع فقط إلى ضعف الإمكانات، أم أن هناك نسبا كبيرة ومقلقة من فقد الأسلحة جعلت الداخلية أكثر حذرا فى موضوع زيادة تسليح الشرطة؟

التحدى ليس فى ترديد شعارات محاربة الإرهاب ومواجهة التسيب والإهمال فى الشارع المصرى، وهى كلها شعارات براقة لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنك لن تستطيع أن تقوم بتلك المهام إلا إذا طورت المنظومة الشرطية من داخلها، وجعلتها فى وضع يسمح لها بالقيام بهذه المهام.

العناوين الكبيرة التى أدمنها الإعلام وجانب كبير من النخبة المصرية ليست هى الطريق القادر على حل مشكلات مصر المتراكمة.

ماذا سنفعل مع التعليم؟ هل نحن قادرون على أن تتحمل الدولة بمفردها مصاريف التعليم الحكومى، وبخاصة الجامعى؟ وهل نحن قادرون على أن نقول للطلاب الراسبين أو الميسورين يجب أن تشاركوا الدولة فى تحمل جانب من مصاريف التعليم، لأن معادلة مبارك الشهيرة كانت تقول خذوا «لا تعليم مجانى» واحصلوا على شهادات تبروزونها فى بيوتكم، والبطالة فى انتظاركم، وضحكنا عليكم بموضوع المجانية، وتأهل لسوق العمل خريجو المدارس والجامعات الأجنبية.

هل سنستطيع أن نقول صراحة إن من يدافع عن حقوق الطبقات الشعبية والفقيرة عليه ألا يخدعهم بتعليم متدهور، إنما يعطيهم تعليما جيدا، ويشارك الميسورين من الطلاب فى تحمل مصاريفه، وتعطى منحا دراسية لغير القادرين.

هل نحن فى حاجة لأن نختبر مستوى المدرسين فى التعليم الحكومى والخاص، وقادرون على أن نميز بين رواتبهم على ضوء نجاحهم فى اختبارات الترقى والتأهيل؟

الثورة الحقيقية هى فى كسر ثقافة «الموظفين الفشلة» والتمييز بينهم على ضوء كفاءتهم ونجاحهم فى هذه الاختبارات التى عُرفت باختبارات الكادر، وفشلنا فيها لأن نظرية «اشمعنى» والوساطة والمحسوبية قضت على الخطوة الأولى لإصلاح منظومة التعليم بإصلاح مستوى المعلمين، وبقى نظامنا التعليمى كما هو أسير العناوين الكبيرة، وبناء كم مدرسة، وهى قضايا مهمة، ولكنها ليست هى جوهر ما نعانيه من مشاكل.

مصر لم تنتصر فى حرب أكتوبر التى تقترب ذكراها الـ41 بأن اشترينا فقط مدرعات وطائرات وصواريخ، إنما اشتغلنا على تفاصيل المشهد، بدءاً من الخداع الاستراتيجى، مروراً بحل معضلة الساتر الترابى بابتكار مصرى، وانتهاءً بتحسين العلاقة بين الضباط والجنود، ودراسة أدق تفاصيل الحياة اليومية للمقاتلين، وتحسين جوانبها النفسية والمعيشية.

مصر عرفت هزيمة 67 القاسية، رغم أنها بدأت فى تشييد أهم مشروع لها فى تاريخها المعاصر، وهو السد العالى، وعرفت أهم زعمائها التاريخيين، وهو جمال عبدالناصر، وتصور البعض أننا نحتاج فقط إلى شعارات كبيرة وإلى مشاريع أكبر، ونترك تفاصيل الواقع المعيش من الرصيف الغائب، إلى إشارات المرور الموجودة على سبيل الزينة والديكور، إلى رجل شرطة ينام أثناء حراسته منشأة أو وقوفه على كمين، أو منظومة تعليم وصحة ونقل، نحن تحتاج إلى تغيير فى أدق التفاصيل بعيدا عن الصخب الإعلامى وعن الشعارات السهلة التى ترددها الحكومة كل يوم، وتفصلها تدريجيا عن المشاكل الحقيقية.

 

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشيطان يكمن فى التفاصيل الشيطان يكمن فى التفاصيل



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab