عمرو الشوبكي
فى مصر هناك فريقان واضحان عبرا عن نفسيهما عقب مداخلة الرئيس الأسبوع الماضى، وكلاهما رفض مضمون المداخلة، وباتت الأزمة ليست فى المداخلة ولا فى رد الفعل عليها إنما فى الطريقة التى نظمنا بها أو بالأحرى «لم ننظم بها» ساحة الخلاف السياسى.
والمؤكد أن الأمر يحتاج إلى تأمل حقيقى لردود الفعل التى أعقبت مبادرة الرئيس واستعداده للحوار مع 10 أشخاص من ألتراس الأهلى، وأنه يعتبرهم مثل أبنائه وأنه لا يحمل ضغينة لأحد.
وتوالت ردود الأفعال عقب هذه المبادرة، وأصدر ألتراس أهلاوى بياناً يمكن وصفه بالرصين (وهو ما أدهش الكثيرين بمن فيهم كاتب هذه السطور) شكر الرئيس على دعوته، واعتبر أن المطلوب هو إعلان نتيجة التحقيق والقصاص من القتلة، وأبدى استغرابه من أن يطرح الرئيس الحوار معهم، وفى نفس الوقت يقوم الإعلام بشتمهم واتهامهم بالإرهاب.
وتوازت مع بيان الألتراس تصريحات كثيرة لكتاب مستقلين وتيارات شبابية اعترضت جميعها على مضمون المداخلة واعتبرت أن جوانبها الودية لا تحل مشكلة الاعتقالات التى طالت مئات الأبرياء والمعارضين السياسيين السلميين.
وفى مقابل هذا الفريق ظهر آخر اعترض بحدة على تصريحات الرئيس وقادته فرقة الشتامين المحصنة، بل وصل الأمر بإعلامى الصور العارية أن صرخ قائلاً: لا أقبل أن يكون رئيسى بهذا الشكل (أى يطلب الحوار مع الألتراس).
وجاءت مظاهرة بورسعيد أمس الأول بعد صلاة الجمعة لتعلن رفضها لمبادرة الرئيس، وقدموا رواية أخرى مغايرة لرواية ألتراس أهلاوى، رغم اتفاقهما فى الهجوم على الداخلية، وطالبوا بالقصاص من ضحايا مجزرة بورسعيد الـ53 الذين سقطوا أثناء حكم مرسى، وهتفوا ضد النادى الأهلى وجماهيره والداخلية.
بالتأكيد هناك انقسام عنيف داخل المجتمع، وهو ما ساعد فرق التطبيل والتحريض على انتقاد الرئيس علناً، ورفض مبادرته، ودفع أيضاً بعض شباب التيارات المدنية إلى العزلة والإحباط أو التطرف السياسى، وبعض شباب الألتراس إلى ممارسة العنف (كما جرى مع شاب ألتراس الزمالك الذى قام بعمل إرهابى بدائى فى أحد فنادق الغردقة).
يقيناً حالة الخلاف والانقسام المجتمعى والسياسى فى مصر حقيقية، ويمكن ضبطها بقواعد عادلة تنظمها، فى حين أن سياسة «الحياد السلبى» التى اتبعها الحكم أضرت بالمجتمع ككل حين تركت الخلافات الطبيعية داخل أى مجتمع بين قوى محافظة وتقليدية وأخرى مدنية وديمقراطية تتحول إلى اقتتال أهلى وحرب تصريحات وشتائم وتخوين، خاصة بعد أن انحازت الدولة عمليا (بعيدا عن نوايا الرئاسة) لفريق التحريض والسباب والمتاجرين بالإعلام، فى حين حاصرت خصومهم الآخرين المحسوبين على ثورة يناير ووضعت بعضهم فى السجون ونكلت بصور مختلفة ببعضهم الآخر.
رد فعل ألتراس أهلاوى، ثم بورسعيدى، يقول إن المجتمع المصرى منقسم، وإن غياب الوسيط السياسى وانعدام الرؤية السياسية جعل هناك عدم قدرة على الحوار مع القوى المجتمعية المختلفة وضبط خطابها وتنظيمه مثلما يجرى فى كل الدنيا، فيقيناً لو كان فى مصر دولة قانون لكنا شهدنا بدل الشتامين والمخبرين الرخيصين قوى محافظة وتقليدية لا تحب الألتراس ولا النشطاء ولا 25 يناير، ولكن لا تدعو لسجنهم ولا تتهمهم بالخيانة والتآمر، ويواجه هذا الفريق تياراً آخر تمثله قوى مدنية وديمقراطية يقبل موقفها حين تدعو لاحتواء الألتراس باعتباره رأياً وليس خيانة للوطن، لأن الألتراس جماعة احتجاجية وليست تنظيما إرهابيا.
لقد ضاعت فرص كثيرة على مدار عامين ولن تحتمل البلاد هذا النمط من الإدارة العشوائية.. افعلوا شيئاً قبل فوات الأوان.