سافرت إلى برلين الأسبوع الماضى لحضور ورشة عمل عن «الإرهاب فى الشرق الأوسط»، نظمها «منتدى هلسنكى للسياسات»، وشارك فى تنظيمها واحد من أهم مراكز الأبحاث البريطانية (Forward thinking).
وقد افتتح اللقاء وزير الخارجية التونسى السيد البكوش، وهو بالمناسبة لا ينتمى للسلك الدبلوماسى، وكان قيادياً فى الاتحاد التونسى للشغل، وعضواً فى حزب نداء تونس، وقدَّم مداخلة مهمة عن تحديات الإرهاب التى تواجهها تونس والدول العربية.
وضم اللقاء سياسيين وأكاديميين عرباً وأجانب وأتراكاً وأكاديمياً إيرانياً مقيماً فى برلين، وحضر من تركيا سفيرها السابق فى واشنطن النائب عن حزب الشعب الجمهورى، أكبر الأحزاب المعارضة لأردوجان، ونائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومع ذلك لم يتطرق نائبا الحزبين فى منتدى هلسنكى إلى أى حديث تفصيلى عن الأوضاع فى تركيا على طريق «نشر الغسيل».
تحدث الجانبان حول مفهوم الإرهاب، وقدَّم السفير التركى السابق فى واشنطن قراءة متميزة لأخطاء السياسة الغربية، وخاصة الأمريكية فى محاربة الإرهاب، وتكلم عن الوضع الإقليمى وتحديات تعديل الدستور فى تركيا بصورة متزنة.
نفس الأمر انسحب على تعليق أحد نواب حزب النهضة على كلمة وزير خارجية تونس المنتمى للحزب الحاكم (نداء تونس)، فاتسمت بالهدوء والاتفاق فى أغلبها مع كلمة الوزير.
أما الحالة المصرية فلا يوجد فيها حوار مع الإخوان، ولا يشاركون فى هذا النوع من اللقاءات؛ لأنهم لن يجدوا من يحضر لمناقشتهم من مثقفى وباحثى التيار المدنى نتيجة خطابهم التحريضى على العنف (دعاية وممارسة)، الذى اختاروه بعد 30 يونيو، فى حين أن الحوار السياسى بين القوى الحزبية المصرية لايزال قاصراً، نظراً لضعف هذه الأحزاب، وعدم وجود مشروع سياسى واضح للتعامل مع الملفات السياسية المختلفة.
أما ليبيا فكانت نموذجاً حياً للانقسام العميق بين المشروع الإخوانى المعادى للدولة والمتحالف مع الميليشيات الإرهابية فى طرابلس وطبرق وغيرها، وبين تيارات سياسية أخرى تؤمن بضرورة بناء دولة وطنية فى ليبيا بالتوازى مع التعددية والحوار السياسى.
وحضر من ليبيا أحد السياسيين المؤيدين لشرعية البرلمان والحكومة المنبثقة منه، فى مواجهة أحد المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين المقيمين فى بريطانيا ويحملون جنسيتها.
وقد أصر ممثل التيار الإسلامى الليبى على التركيز على دور الجماعات الدينية المعتدلة، ويقصد الإخوان، فى مواجهة الفكر الداعشى والإرهابى، فى محاولة متكررة لتقديم مسوغات الاعتماد لدى الدوائر الغربية لكى يوكل لهم مهمة محاربة الإرهاب.
والحقيقة أن نظرية الفكر الإسلامى المعتدل القادر على مواجهة الفكر المتطرف تحتاج إلى مراجعة، فمن ناحية ممارسات جماعة الإخوان فى مصر وليبيا لا علاقة لها بالاعتدال، إنما بالتحريض على العنف والتواطؤ مع الجماعات الإرهابية، ومن ناحية أخرى فإن نظرية أن هناك فكراً معتدلاً قادراً بمفرده على مواجهة الفكر المتطرف تحتاج أيضاً إلى مراجعة.
وقد أعدت فى هذا اللقاء ما سبق أن رددته من قبل، ونشرته فى مقال «أسلمة التطرف»، عن أن الجماعات الإرهابية الجديدة مثل «داعش» مدخلها للإرهاب ليس الفكر إنما الواقع المحبط والاستبدادى والطائفى الذى يدفعها للإرهاب فى أسابيع قليلة، وتحتاج بعدها إلى قشرة جهادية أو تكفيرية لتبرير فعلها الإرهابى، وهذا على عكس ما كان يجرى فى السبعينيات والثمانينيات، حين كان العنصر الجهادى يقضى سنوات طويلة من التربية الدينية العقائدية حتى يصبح قادراً على ممارسة عملية إرهابية واحدة.
النقاش حول الإرهاب فى الغرب والشرق مفيد، لكنه حتى هذه اللحظة غير منجز؛ لأنه لا توجد إرادة سياسية قادرة على وضع استراتجية مركبة (أمن وسياسة واقتصاد) لمواجهة أسبابه المركبة.