عمرو الشوبكي
حين تكون طالبا جامعيا وتعيش هذه المرحلة العمرية من حياتك، فغالبا سيكون توجهك ثوريا يميل للاحتجاج والتمرد على المؤسسات والسلطة، صحيح أن مصر عرفت فى العامين الماضيين نمطا من التخريب والعنف الإجرامى، الذى مارسه بعض طلاب الإخوان داخل الجامعات المصرية، يختلف تماما عن أنماط الاحتجاج الطلابى التى عرفتها جامعات الدنيا كلها.
والمؤكد أن هذه الممارسات فتحت الباب لتدخلات أمنية وإدارية واسعة، خاصة أن الدولة لم تكتف بمواجهة العنف الإخوانى، إنما وضعت معه كل نشاط طلابى سلمى تقريبا فى نفس الكفة.
والحقيقة أن تجربة اتحادات الطلاب فى السنوات الأخيرة دلت على تحولات لم يحرص الكثيرون على قراءتها، ففى أعقاب ثورة يناير وفى ظل تصاعد خطاب ثورى سيطر على المجال العام، اختار الطلاب بدون تدخلات أمنية أو إدارية محمد بدران رئيسا لاتحاد طلاب مصر، وهو إصلاحى لا ينتمى للتيارات الثورية، ونجح فى جذب كتلة واسعة من الطلاب أسست معه بعد ذلك حزب مستقل وطن.
ومن يتصور أن هذا الاتجاه غير موجود وسط الطلاب أو داخل المجتمع أو أنه سيختفى مخطئ، فهو جزء من ثقافة اليمين التقليدى غير الثورى المسيطر حاليا على أغلب المجتمع المصرى، والموجود بصورة أقل طلابيا.
تجربة محمد بدران فى الجامعة حقيقية وليست مزيفة أو أمنية (انتخب رئيس اتحاد طلاب عقب ثورة يناير، وفى ظل غياب كامل لتدخل الإدارة والأمن)، وتجربة الاتحاد الحالى التى يمثلها عبد الله الأنور وعمرو الحلو أيضا حقيقية وأصيلة.. فلماذا إذن الكيل بمكيالين؟
الحقيقة أن المجتمع الطلابى بمحض إرادته صوت فى عز الموجة الثورية والإخوانية لطلاب غير ثوريين وغير إخوان، وعاد نفس هذا المجتمع وصوت فى عز موجة الهجوم على الثورة وانصراف قطاع يعتد به من المجتمع عنها، إلى طلاب ينتمون لثورة يناير.
موقف الإدارة من هذه الانتخابات وإلغاء نتيجتها صادم، ويدل على انعدام أى حس أو رؤية سياسية فى التعامل مع ملف شائك مثل ملف الطلاب، صحيح أن كثيرا من النظم السياسية لا تفضل هذا النمط الاحتجاجى الذى يحمله كثير من الطلاب، ولكن النظم الحية والديمقراطية هى التى تعمل على دمج هذا الصوت الاحتجاجى فى مسار إصلاحى كما جرى فى فرنسا 68، فمن قرأ ماذا كان يقول الطلاب اليساريون من شعارات وهتافات ثورية ضد المجتمع الأبوى والنظام الرأسمالى الذى مثله بالنسبة لهم الجنرال ديجول (بطل فرنسا القومى ومحررها من الاحتلال النازى) وكيف تغيروا بعد أن أصبحوا وزراء ومسؤولين كبارا فى أحزاب اشتراكية إصلاحية، سيكتشف مسؤولية النظام السياسى فى إحداث هذا التحول.
وفى مصر ظل الطلاب هم ضمير المجتمع المصرى وصوته الحى، فقد كانوا صوت الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو، كما عبر جيل مظاهرات 1968 الطلابية (الجيل الأهم والأكثر وعيا فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية) عن ضمير المجتمع المصرى حين انتفضوا معترضين على الأحكام الهزيلة لبعض قادة الجيش المسؤولين عن هزيمة 67 (أحكام الطيران)، وطالبوا عبدالناصر بإجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية دفعته إلى تقديم بيان 30 مارس، الذى فتح الباب أمام تعددية سياسية وديمقراطية لم يمهله القدر الفرصة لإتمامها.
وبعد كل هذه السنوات تعجز الدولة عن استيعاب ودمج طلاب يبدو أن بعضهم معارضون فى حين أنه منذ 40 عاما عرفت البلاد اتحاد طلاب رأسه الناصرى حمدين صباحى، وتحاور هو وزميله الإسلامى عبدالمنعم أبوالفتوح وآخرون مع الرئيس السادات علنا، وعدنا الآن لنجد الدولة غير قادرة على تحمل وجود اتحاد طلاب غير مفصل.