طوى العالم صفحة 2015، وخط السطر الأول فى عام 2016، وشهدنا أحداثاً كثيرة، بعضها غيَّر فى صورة مناطق كثيرة من العالم، وبعضها الآخر كرر كثيرا من مشاهد العالم السابق، وبقى العام الجديد يحمل دعوات وآمال شعوب كثيرة، بعضها يحلم بالعدالة والديمقراطية، وبعضها الآخر يبحث عن وطن يضم أحلامه أو أوجاعه، وبعضها الآخر يتمنى أن يجد بيتا بدلا عن المخيم ودولة يناكفها وتناكفه بدلا من إرهاب التنظيمات المسلحة.
العالم تغير فى 2015، والعالم العربى تدهور، ودول إقليمية كبرى مثل تركيا تراجعت، وأخرى مثل إيران تقدمت، وبعضها- مثل مصر- اكتفت بالوقوف فقط على أقدامها، أما القوى العظمى فيقينا روسيا تقدمت وعادت بقوة للعب دور مباشر فى العالم العربى، من خلال التدخل العسكرى فى سوريا، وهو أول حضور عسكرى روسى مباشر منذ عقود طويلة فى العالم العربى، بعد أن احتكرت أمريكا هذه الصفة، أما الصين فقد اكتسبت مساحات كبيرة على مستوى تصاعد نفوذها الاقتصادى.
2015 كان باليقين عام العودة الروسية للشرق الأوسط وتدخلها العسكرى ضد داعش وضد فصائل مختلفة من المعارضة السورية المسلحة، قد جعلها رقما أساسيا فى معادلة التسوية القادمة للملف السورى.
بالمقابل، يمكن القول إن المشاريع الأمريكية فى الشرق الأوسط قد تراجعت دون أن تختفى، فقد اتضح خطأ التقديرات الأمريكية فى التعامل مع النظام السورى، وأيضا فشلها فى الضغط على إسرائيل، من أجل الدخول فى تسوية سلمية عادلة للقضية الفلسطينية، مستندة إلى قرارات الشرعية الدولية، وكذلك سلبيتها الشديدة تجاه ما يجرى فى ليبيا، فى حين أنها حرصت على التدخل العسكرى فى العراق وسوريا، وكثفت من غاراتها الجوية ضد تنظيم داعش، فى حين بقيت متفرجة على نفس التنظيم فى ليبيا.
والمؤكد أن أمريكا تدخلت فى العراق، لأن لديها أجندة سياسية فى دعم مَن يحكم، وكذلك سوريا، لأن لديها أجندة أخرى تقوم على الإطاحة بنظام بشار وتفكيك دولته، أما ليبيا فهى لا تضمن ولاء الجيش الوطنى الليبى، فحاصرته ومنعت عنه السلاح، رغم أن معركته- مثل سوريا والعراق- ضد التنظيم الإرهابى، فى مفارقة صادمة.
القوى الإقليمية تغيرت أوزانها النسبية، فتركيا- التى كانت جزءاً من المنظومة الدولية، وركناً أصيلاً فى حلف «ناتو»- نُظر إليها باعتبارها محل اتهام، فارتاب فيها حلفاؤها، ولم يفهموا دوافعها فى إسقاط الطائرة الروسية، ولا تواطؤ حكومة أردوغان مع داعش، ولا فى تحول نظرية رئيس وزرائها أحمد داوود أوغلو من «صفر مشاكل» إلى مائة مشكلة مع الجيران، فهناك مشكلة (مفهومة) مع النظام السورى، ولكن هناك دعما لفصائل مسلحة إرهابية، وتواطؤا مع فصائل إرهابية أخرى، وهناك توتر علنى مع العراق، دفع الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ، لإدانة تدخلها، وهناك صراع مفتوح مع مصر، وتَبَنٍّ أردوغانى كامل للرواية الإخوانية، وبقى التحول اللافت فى علاقتها مع إسرائيل، والتى انتقلت من حالة التوتر إلى مرحلة التسوية والتطبيع وحل المشاكل العالقة، فى مفارقة تحتاج إلى تأمل أيضا.
أما إيران فقد شهدت تحولاً فى وضعها الدولى، عقب توقيعها هذا العام على اتفاق مع الدول الست الكبرى، بخصوص الرقابة على ملفها النووى، وأوضحت للعالم أن هناك وجها آخر- غير دعم الميليشيات الطائفية والخطاب الثورى- يمكن أن تقدمه للعالم، قائما على المهنية وقبول التفاوض، الذى جُرِّم لسنوات فى القاموس السياسى الإيرانى، وهناك فاعلية نموذجها الداخلى وقابليته للتطور والتفاعل مع المنظومة العالمية.
والحقيقة أن إيران أمامها فرصة تاريخية، عقب هذا الاتفاق، لتكون لاعبا إقليميا يؤثر ويتأثر بالمنظومة العالمية، وهو بالحتم تحول كبير، وتأثيره أكبر من تأثير الاتفاق النووى نفسه، لأنه سيعنى من الناحية العملية فتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى، من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليا نحو الاعتدال.
أما القوة الإقليمية الثالثة- وهى مصر- فقد ظلت أسيرة خطاب: «نحمد الله، فقد تخلصنا من خطر الإخوان»، صحيح أنها حافظت على دولتها الوطنية ومؤسساتها ونجت من مصائر سوداء عرفها كثير من دول المنطقة، إلا أنها تراجعت بصورة كبيرة فى ملف الحريات العامة، وعجزت عن تحقيق أى إنجاز يُذكر فى مجال التنمية السياسية، وحتى الطريقة التى تعاملت بها مع ملف التنمية الاقتصادية مازالت محل جدل، وغابت عن كثير من مشاريعها الاقتصادية الكبرى الشفافية ودراسات الجدوى المطلوبة.
أعتقد أن 2016 مرشح أن يكون عام الحسم فى مصائر بلاد كثيرة، فالملف السورى سيتحرك سياسيا بشكل واضح هذا العام، وما تبقى من الدولة والجيش السورى قادر- بدعم غربى وإقليمى- على فرز بديل لقيادة المرحلة الانتقالية غير بشار الأسد، وتركيا قد تسوء أوضاعها أكثر، أو تبقى كما هى، وإيران قد تبقى كما هى، أو قد تتحسن أحوالها ويتم البدء فى عملية دمجها داخل المنظومة العالمية، أما مصر فستكون 2016 سنة صعبة، لأن البلاد ستصبح مُعَرَّضة لهزات كبيرة، فى ظل سطوة غير مسبوقة للأجهزة الأمنية، وتزايد مخاطر «الصراعات المخفية» بين أطراف كثيرة داخل الدولة، وخطر الفوضى الجزئية والاحتجاجات وتزايد العنف، وأداء 2015 سنرى حصاده فى 2016.
حفظ الله مصر من سوء الأداء، ومن المؤامرات الداخلية أولاً.