عمرو الشوبكي
ذكرت الباحثة الأمريكية ميشيل دان تعليقاً نشرته أمس صحيفة التحرير على موقعها أن «مصر فى ديسمبر 2015 تشبه كثيرا مصر فى أواخر عام 2010، والأشهر الأخيرة من حكم حسنى مبارك، الذى استمر ثلاثة عقود»، وأن مجلس النواب المنتخب حديثا يشبه كثيرًا البرلمان الذى انتخب قبل ثورة يناير ببضعة أشهر، كما أن التطورات الأخرى فى مصر تعكس الخلل الذى كان موجودًا فى عام 2010، ما يثير تساؤلات حول «ما إذا كانت هناك اضطرابات أخرى تختمر».
وأضافت أن تركيبة البرلمان الجديد لا تمثل كل المصريين، مشيرةً إلى سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وكذلك رجال الأعمال الأثرياء، على مجلس النواب الجديد، كما تم عزل المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، «أما الشباب فقد تعرضوا للقمع أو تم التلاعب بهم»- على حد قولها.
وأوضحت أن نحو 75 من رجال الجيش أو الشرطة المتقاعدين يمثلون حوالى 13٪ من أعضاء البرلمان الجديد، حيث تضاعف عددهم نحو مرة ونصف مقارنةً ببرلمان 2010، و10 مرات مقارنةً ببرلمان 2012، فى حين يستحوذ رجال الأعمال على حوالى 25٪ من المقاعد، مقارنةً بـ20٪ فى 2010، و15٪ فى 2012.
وترى أنه على الرغم من عدم وجود حركة ديناميكية يقودها الشباب للاحتجاج سلميا، على غرار عام 2010، لأن القادة السابقين معظمهم فى السجن أو المنفى، فإن مصر تشهد حاليًا تمرداً أكثر عنفاً ومتعدد الأوجه، يتألف من الإسلاميين وغيرهم من المستبعدين من ممارسة السياسة فى البرلمان الجديد، وهو ما يهدد بنقل البلاد إلى «منطقة مجهولة».
والحقيقة أن جانباً من كلام الباحثة الأمريكية وصفى يتعلق بأرقام على الأرجح صحيحة، ولكن تظل معضلة التحليل هى فى نتائجها التى وصلت إليها فى الفقرة الأخيرة وتصر مدرسة فى التكفير الأمريكى أن تنظر بها للواقع المصرى، وهو أن غياب ديناميكية للاحتجاج السلمى فى مصر يرجع إلى اعتقال القادة، أو إلى مسألة القمع والملاحقة الأمنية، وهو أمر ظلت تعرفه مصر طوال عهد مبارك، ومع ذلك حدثت ثورة يناير.
والحقيقة أن مصر لا تعيش أجواء 2010، لأن الفارق الرئيسى يرجع إلى كون البلاد قد شهدت ثورة شعبية فى مواجهة سلطة بلا أى رصيد شعبى يذكر، وبعد أن ظل مبارك فى السلطة 30 عاما، وحتى مؤيديه أو من يترحمون على عهده الآن ينتمون فى معظمهم إلى تيار رافض للثورة ولنتائجها، ويعتبرها مسؤولة عما وصلت إليه مصر من مشكلات، ومنها وصول الإخوان للسلطة، والذى تتحسر الباحثة عن استبعادهم من الحياة السياسية وتنسى خطاياهم ومسؤوليتهم عما وصلت إليه البلاد.
2015 ليست 2010 لأن الأولى استدعت وطنية مصرية سطحية، وأحيانا متطرفة لم تعرفها البلاد فى أى من عهودها السابقة، رموزها إعلاميون محرضون وسياسيون فرز ثالث أثروا فى قطاع من المجتمع المصرى، ومعهم قطاع أكبر من مؤيدين بسطاء للنظام الحالى يمثلون كتلة شعبية كبيرة لم يحظ بها حسنى مبارك ولا تريد الباحثة الأمريكية ولا كثيرون مثلها أن يروها.
ويصبح برلمان 2015 معبرا عن تيار داخل المجتمع المصرى وثق فى الضباط المتقاعدين وانتخبهم لأنه مقتنع بأنهم القادرون على مواجهة الفوضى والإرهاب ودعاة الثورة.
البرلمان يعبر عن قطاع فى المجتمع المصرى وليس كمثل برلمان 2010 المزور بالكامل، صحيح أنه بسبب النظام السياسى وقوانين الانتخابات أقصيت تيارات أخرى من خارج الإخوان عن التمثيل داخل البرلمان، ولكن لا يمكن لأحد ألا يرى ظهيرا شعبيا مؤيدا للنظام الحالى بصرف النظر عن أسبابه.
وعليه فإن تحديات الفترة القادمة ومخاطرها (وهى كثيرة) ستختلف عما جرى فى 2010.. ويبقى ذلك حديث آخر.