مر عامان على 30 يونيو وسقوط حكم الإخوان، ومر عام على حكم الرئيس السيسى ولايزال كثير من المصريين يتساءلون: ماذا تبقى من 30 يونيو، وهل مصر تسير على الطريق الصحيح؟ وماذا حققت وماذا لم تحقق؟ أسئلة مشروعة يطرحها الكثيرون فى مجتمع قلق على مستقبله قبل حاضره.
والمؤكد أن تداعيات تجربة الإخوان فى السلطة لم تكن فقط فشلاً مدوياً للإخوان، إنما أيضا فشل مجتمعى وسياسى لأول اختبار ديمقراطى فى مصر منذ 60 عاما، لأن مرسى وصل للسلطة بوسيلة ديمقراطية ولم يستطع الشعب تغييره بنفس الوسيلة، لأن الجماعة رتبت أمورها للبقاء الأبدى فى السلطة حتى لو كان الثمن تدمير مصر والدخول فى اقتتال أهلى، وهو تحد عجز المجتمع وقواه السياسية عن مواجهته، مما استدعى تدخل الجيش فى 3 يوليو لعزل الرئيس السابق محمد مرسى.
إذن سواء اعتبر أغلبنا أنه لم يكن هناك بديل عن تدخل الجيش لإسقاط حكم الإخوان، أو اعتبر بعضنا أنه كان يجب ألا يتدخل الجيش ويستمر فى الضغط الشعبى حتى يقبل مرسى بانتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن النتيجة فى النهاية هى عجز الاثنين عن فرض آليات ديمقراطية لحسم الصراع السياسى بين الإخوان وأغلب الشعب المصرى.
لقد اختارت أغلبية بسيطة من الشعب المصرى مرشح جماعة الإخوان المسلمين رئيساً للجمهورية، ثم دفعت أغلبهم إلى القبول بإسقاطه بوسيلة غير ديمقراطية بعد أن أغلقت أمامهم كل فرص التغيير السلمى والديمقراطى بسبب حكم الجماعة التى أرادت اختطاف شعب ودولة لحساب مشروعها الخاص.
ويمكن القول إن ثورة 30 يونيو أعادت مصر مرة أخرى على أول الطريق الصحيح، ولكنها لم تعن أنها تقدمت خطوة للأمام، فهى عودة للبدايات الصحيحة ولو نظرياً، فلم تسقط الدولة الوطنية، ولم يحكم البلاد تحالف إخوانى تكفيرى، وتتحول مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة إلى كيانات إخوانية غير قابلة للإصلاح، لا مؤسسات وطنية قابلة للإصلاح.
مصر بعد 30 يونيو عادت لدولتها الوطنية وأسقطت مشروع الأخونة واللادولة، ولكنها لم تبن دولة حديثة ولا ديمقراطية، أى أننا عدنا كما نحن نطرح جانبا كبيرا من أسئلة 2010، ولكننا لم نذهب إلى حيث كان يخطط لنا، أى الهبوط بالسالب، وبقينا محلك سر لم نصعد كما نتمنى، ولم نهبط كما أراد الإخوان.
ومع عودتنا لنقطة البداية اكتشف كثير منا أنه ليس وحده فى هذا البلد، وأن المجتمع المصرى به كثير من التنوع، وفى نفس الوقت عجز عن إدارة هذا التنوع بطريقة ديمقراطية ومتحضرة، فقبل 30 يونيو كان البعض يتصور أنه يعيش وحده فى هذا البلد، ولم ير فيه اتجاهات أخرى يمكن أن تشاركه فى أى شىء ولها حق الاختلاف، إلى أن جاءت الانتفاضة الكبرى ضد الإخوان لتضم الثوار والفلول وبعض الإسلاميين، ودفعت بالكثيرين إلى مراجعة كثير من حساباتهم حين اكتشفوا أن هناك مخالفين لهم فى الفكر والرأى كانوا معهم فى نفس ثورة إسقاط حكم الإخوان.
لقد تصور كثير من ثوار يناير أن الشعب المصرى هو فقط فى ميادين التحرير، وافترضوا أن مصر كلها ثوار، ثم اكتشفوا أن هناك شركاء فى الوطن يرفضون ثورة يناير، تماما مثلما اكتشف أنصار مبارك وكثير من القوى التقليدية والمحافظة أن مصر ليست حكرا عليهم فقط كما تصوروا قبل يناير، وأن هناك وجها تقدميا وثوريا وشابا يمثل جزءا أصيلا من هذا الوطن، وأن هناك أيضا قوى إسلامية بعضها أيد مسار 30 يونيو و3 يوليو دون فصل، مثل حزب النور، وبعضها عارضه مثل مصر القوية، وبعضها الثالث حاربه وتمنى سقوطه ولو بالعنف والإرهاب مثل جماعة الإخوان المسلمين، وهؤلاء بتنوعاتهم جزء من الحالة السياسية لم يغيبوا ولن يختفوا.
إن مشهد ثورة 30 يونيو يقول إن فى مصر قوى ليبرالية وثورية ومحافظة شاركت فى الانتفاضة الشعبية ضد حكم الإخوان، وهذه القوى مطالبة بأن تتعايش مع بعضها حتى لو اختلفت برامجها وتوجهاتها، وهذا لن يتم إلا إذا تم «تطهير» الخطاب السياسى الحالى من المفردات التخوينية والتكفيرية الرائجة الآن.
وهنا تقع المسؤولية على سلطة 30 يونيو التى لم تضع أى قواعد منظمة للعملية السياسية، وتركت البلاد فى جو من الاستباحة والعشوائية، وراهنت على المشاريع الاقتصادية الكبرى التى على أهميتها يجب ألا تغنينا عن أهمية الإصلاح السياسى والإدارى والاقتصادى.
30 يونيو أنقذت مصر من مصائر سوداء ولكنها لم تحل مشاكلها المزمنة، فمنذ ثورة 25 يناير والشعب المصرى يبحث عن بناء دولة القانون والعدالة، ففشل فى المرة الأولى نتيجة أخطاء الجميع: التيارات المدنية والثورية، المجلس العسكرى، والتى أوصلت الإخوان للسلطة دون وجود أى قواعد دستورية وقانونية تنظم العملية السياسية وتفرض عليهم احترامها، فتصوروا أن لحظة التمكين قد حانت والبقاء الأبدى فى السلطة قد بدأ.
وجاءت 30 يونيو لتنهى خطط الجماعة ولكنها لم تبن حتى اللحظة أى بديل سياسى يضمن نجاح المسار الجديد، ولا يمكن لأى حراك شعبى ولا لأى نظام جديد أن يؤسس شرعيته فقط على إسقاط «حكم الاشرار» دون أن ينجح فى بناء مشروع جديد قائم على التنمية السياسية والاقتصادية، وإلا سيعود مرة أخرى أشرار كثر فى الداخل والخارج يخصمون من رصيد 30 يونيو بقسوة لأنه غير محمى بالعلم والمجتمع المنظم والمبادرات الأهلية والأحزاب السياسية إنما بالصراخ والهتاف الذى يبنى قصوراً من ورق لا مستقبلاً راسخ الأركان.