عمرو الشوبكي
لا أريد أن أقول إن فوز عبدالفتاح السيسى فى هذه الانتخابات أمر مؤكد، وإن توقعى أن تكون النسبة حول الـ70% من أصوات الناخبين، والسؤال ماذا لو ارتفعت إلى أكثر من ذلك ووصلت إلى 80%؟ وماذا يعنى فوزه بنسبة مرتفعة فى انتخابات نزيهة؟
حجج بعض المتعالين عن الشعب المصرى جاهزة بأن الانتخابات محسومة لأسباب تتعلق بدور الإعلام والدولة العميقة فى توجيه الناخبين، دون أدنى اعتراف واحترام بأن هناك ملايين المصريين اختاروا أن يؤيدوه لأنهم اعتبروه مرشحاً قوياً سيعيد لهم مؤسسات الدولة، ويتحدث عن العمل والتنمية والبناء بعد أن سئموا خطاب الثورة المستمرة والفوضى والاستباحة العبثية على مدار 3 سنوات.
النقاش الجاد يكون هل السيسى قادر فعلا على حل مشكلات مصر؟ وليس أن الشعب جاهل ويحب العبودية (كما يقول بعض المتنطعين)، ولذا راهن على السيسى كما راهن من قبل على عبدالناصر، وكانت نفس الأشكال تثرثر وتنظر ضده وهو يصنع تاريخ مصر والعالم العربى، وانتقلت مع السيسى من المقاهى إلى العالم الافتراضى.
من يريد أن يساعد هذا البلد للخروج من أزماته عليه أن يبدأ بالاعتراف بشعبية الرجل أو بالأحرى شعبية هذا «البروفايل» فى هذا التوقيت ويحترمه، ثم بعد ذلك يسأل نفسه إذا كان مؤمنا به كيف يساعده، وإذا كان يختلف معه يعارضه ويقدم بديلا متكاملا لمشروعه.
إن الشعبية الكبيرة لرجل قادم من خارج الأحزاب والحركة السياسية لا بد أن تثير علامة استفهام حول حجم الأزمة فى بنية هذه الأحزاب وفى أدائها وفى شعبيتها، وعجزها عن تقديم مرشح واحد للمنافسة فى الانتخابات الرئاسية!
الإجابة بالتأكيد نعم هناك أزمة، حتى لو أضفنا لها أن الأحزاب السياسية ضحية التجريف الذى جرى على مدار 30 عاما، والصوت الاحتجاجى على مدار 3 سنوات. ولكنه فى النهاية واقع يجب أولا الاعتراف به حتى يمكن تغييره.
السيسى لم يهبط من كائن فضائى على كوكب مصر فانبهر به الناس، إنما هو ابن بيئة سياسية محددة ونموذج متكرر فى التاريخ المصرى جعل جانبا كبيرا من شعبيته يرجع لحالة الضعف والوهن التى تعانى منها الحياة السياسية والحزبية، وهو مشهد يذكرنا (مع الفارق بين الشخصيتين والعصرين) بشعبية عبدالناصر التى نالها منذ إطلالاته الأولى فى صورة البطل القومى القادم لكى يخلص الأمة من فشل الأحزاب ومن الاحتلال ومن فساد النظام الملكى.
السيسى جاء فى سياق آخر فى صورة المخلص الذى أنقذ البلد من حكم الإخوان ومن الانقسام الحزبى ومن الفوضى والعشوائية السياسية، وأعطى إشارات اعتبرها البعض غير ديمقراطية، ولكنها تتشابه مع ما يعرف فى العالم بنظم التعددية المقيدة (روسيا بوتين نموذج) والتى تسمح بهامش للمعارضة وتقبل بنزاهة انتخابات تكون نتيجتها معروفة سلفا، ولكن هذا النموذج ليس قدرا خالدا، ويمكن تجاوزه بأداء مختلف عن الذى شهدناه على مدار الثلاث سنوات الماضية.
درس شعبية السيسى وفوزه أو ربما اكتساحه للانتخابات الرئاسية لا بد أن يتعامل معه كل من يرغب فى تقدم هذا البلد باحترام دوافع انحياز الشعب فى هذه اللحظة لهذا النموذج، ثم بعد ذلك خلق بديل سياسى مدنى ومؤسسات حزبية قادرة على المنافسة وليس الصريخ والاحتجاج، وعدم تحويل نموذج المرشح القادم من المؤسسة العسكرية إلى نموذج وحيد لحكم مصر، إنما فتح الباب أمام بدائل متعددة يكون فيها للأحزاب والجمعيات الأهلية والمجتمع دور رئيسى فى بنائها.