عمرو الشوبكي
مداخلة الرئيس أمس الأول مع الإعلامى عمرو أديب أثارت من التساؤلات أكثر مما قدمت إجابات، ولم يفهم كثير ممن تابعوها أسباب اعتبار الرسام إسلام جاويش فى مكان ابن الرئيس وفى نفس الوقت اعتقاله ولو ليوم واحد، وأن علاقة النظام السياسى المتوترة بالشباب لن يحلها حديث الرئيس بأنهم مثل أبنائه، وإنه لا يحمل ضغينة للألتراس ولا لغيره وهى كلها أمور تحمل من النوايا الطيبة أكثر مما تقدم حلولاً طيبة.
ولأن مصر مثل كل بلاد الدنيا لا تحكم بالنوايا الطيبة ولا السيئة إنما بإدارة سياسية غير موجودة، فإن كل الأحاديث الودية والأمنيات الطيبة باتت تثير فى نفوس كثير من الشباب ردود فعل عكسية وتعمق أزمة الثقة بين الرئاسة وبين تيار واسع من الشباب.
والمؤكد أن إشارة الرئيس حول معضلة مواجهة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان صحيحة ومتكررة فى بلاد كثيرة، بما فيها أعتى النظم الديمقراطية، فيقيناً فرضت فرنسا قيوداً على حقوق الإنسان واتخذت إجراءات استثنائية فى مواجهة الإرهاب الذى ضربها من أجل حماية مواطنيها وأمنها القومى، وفعلت أمريكا ما هو أكثر عقب اعتداءات 11 سبتمبر من إجراءات استثنائية وملاحقات أمنية.
والحقيقة أن الفارق بين ما يجرى عندنا وما جرى عند غيرنا، أن فى الأولى القيود والملاحقات الأمنية تطال أصحاب الرأى والتوجه السياسى المختلف وليس الإرهابيين أو المشتبه بوجود علاقة لهم بالإرهاب.
فحين يتم إيقاف 10 أشخاص فى فرنسا للاشتباه بعلاقتهم بالجماعات الإرهابية لا يعتقلون لأن لهم رأياً سياسياً مخالفاً للرئيس الاشتراكى الفرنسى، ولا أن هناك ضابطاً كبيراً فى أمن الدولة حلف بالطلاق أن يؤدبه، ولا توجد فى هذه البلاد أذرع إعلامية تطلق لتلفيق التهم ضد المعارضين بأوامر من أجهزة الدولة مثلما يجرى عندنا.
الفارق واضح بين اتخاذ إجراءات استثنائية للحفاظ على سلامة شعب من خطر الإرهاب، وبين اتخاذ ما هو أسوأ من الإجراءات الاستثنائية لملاحقة كل من يقول كلمتين ضد الحكم على الـ«فيسبوك» لا علاقة لهم بالإرهاب ولا التطرف.
ما علاقة محاربة الإرهاب باعتقال «طفل التيشيرت» (16 عاما وحمل لافتة وطن بلا تعذيب) والذى تجاوزت مدة اعتقاله 700 يوم ألا يمكن اعتباره ابناً للرئيس أيضا؟ وما علاقة الإرهاب باعتقال طبيب مصرى مرموق هو أحمد سعيد، مقيم فى ألمانيا، ورماه حظه العاثر أن يعود لزيارة أهله فى ذكرى ما جرى فى أحداث محمد محمود، فوقف على كوبرى 6 أكتوبر مع عشرات الأشخاص يحمل لافتة يذكر فيها الناس بما جرى فى هذا التاريخ (من حق البعض أن يرفض موقفه بالكلمة لا بالاعتقال ولى شخصيا رأى معارض من وقتها مما سمى الفعاليات الثورية التى حاصرت الوزارات والمؤسسات)، وما علاقة الإرهاب بهشام جعفر، المثقف الوطنى المحترم والكاتب الصحفى الذى اعتقل منذ 100 يوم حتى الآن، وما علاقة الإرهاب بمحمد العراقى الذى اعتقل بسبب تظاهرة ضد حكم مرسى ولا أعرف شخصا من أصدقائنا (بمن فيهم كاتب هذه السطور) إلا وتحدث فى موضوعه ومع ذلك خرج بعد عامين من الاعتقال، وما علاقة الإرهاب بمحب دوس الذى اعتقل وهو يهم للدخول إلى الكاتدرائية للصلاة أثناء احتفالات عيد القيامة التى حضرها الرئيس، وهو أحد مؤسسى تمرد وأحد أخلص شبابها.
هؤلاء باليقين ليسوا إرهابيين ويعرف الحكم أنهم معارضون سياسيون، ولكنهم معارضون ينتمون لفئة مواطن المستباحة، وليسوا من بين المحصنين الذين يشتمون الناس كل يوم، وأحياناً كثيرة يتطاولون على القيادة السياسية نفسها ومع ذلك يتركون لأن دورهم مطلوب.
المعتقلون من أصحاب الرأى المخالف بالمئات، ونحتاج إلى قرار جراحى لإنقاذهم وإنقاذ البلاد مما تسير فيه.