بقلم - عمرو الشوبكي
لا يزال كثير منّا يتذكرون التعامل الغربى مع الرسومات المسيئة للرسول الكريم، والتى ظهرت في الدنمارك ثم فرنسا وبعدها في أكثر من بلد أوروبى، واعتبروها تدخلًا في إطار حرية الرأى والتعبير، التي تُعد إحدى القيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الغربى، واضطر كثير من العقلاء في العالم العربى إلى أن يعتبر الأمر جزءًا من ثقافة مجتمع مختلف عن المجتمعات العربية والإسلامية بشرط ألّا تُفرض علينا أو تجعلنا نتقبلها.
بالمقابل، فإن رفض المجتمعات العربية والإسلامية وكثير من الحضارات الشرقية، بما فيها روسيا وصربيا الأرثوذكسية والثقافة الهندية، دعم المثلية الجنسية، ورفض قطر حضور شارات حماية المثلية في الملاعب والشوارع أثناء كأس العالم، فتح باب الهجوم والاستعلاء الغربى تجاه الموقف القطرى والعربى تجاه هذه القضية.
ورغم أن قطر لم تطالب بترحيلهم ولم تُلْقِ القبض عليهم ولم تعلن تفتيش كل غرفة فندق لكى تعرف ما إذا كان مَن يسكنونها مثليين أم لا، إنما رفضت مثل تيار واسع في الغرب وفى أغلب الشرق اعتبارها خيارًا طبيعيًّا يجب حمايته، بل في أحيان كثيرة تشجيعه، وبدا التناقض واضحًا بين مطالبة الغرب باعتبار الإساءة إلى المقدسات الدينية جزءًا من حرية الرأى والتعبير، ومطالبتنا باحترام الخلاف والتنوع الثقافى، وبين أن يهاجم بضراوة قيام بلد عربى برفض حضور شارات المثلية في محفل رياضى عام، ولا يعتبر أن الأمر يدخل في إطار حرية الرأى والاعتقاد والتنوع الحضارى والمجتمعى في العالم.
إن احترام حرية الرأى والاعتقاد كان يتطلب عدم محاسبة اللاعب السنغالى إدريسا جاى بسبب رفضه ارتداء قميص كُتب فيه رقمه بلون عَلَم المثلية، رغم أنه لم يحرض ضد المثلية، ولم يطالب بحبسهم، كما تنص قوانين بلاده السنغال، إنما احترم قواعد المجتمع الفرنسى الذي يعيش فيه، وكان نموذجًا للأخلاق والالتزام الرياضى. واحترام حرية الاعتقاد وفق بديهيات مبادئ حقوق الإنسان تقول إنه يجب ألا يُفرض عليه موقف عكس قناعته الدينية أو الأخلاقية أو حتى الشخصية.
النقاش بين الغرب والشرق يجب ألّا ينطلق من أن الخصوصية تعنى العداء للقيم الإنسانية العليا من عدل واحترام حقوق الإنسان ورفض العنصرية وخطاب الكراهية، إنما تعنى احترام السياقات الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع، وعدم النظر إليها حين تختلف في بعض الجوانب على أنها أقل أو أدنى من الحضارة الغربية لأنها في النهاية ستطبق هذه المبادئ العالمية وفق سياقها الخاص وليس السياق الغربى.
يجب ألّا يعتبر البعض في الغرب أو الشرق أن هناك منظومة قيم أعلى وأخرى أدنى، ويكيل بمكيالين في الثقافة كما يفعل في السياسة، فنصبح أمام عالم الصوت والرأى الواحد، وأمام منظومة القيم الواحدة، التي لا تراعى تنوع الثقافات والخبرات التاريخية، التي تُثرى العالم الإنسانى وتعزز الاحترام المتبادل بين الشعوب.