«آيديولوجيا» التضامن الإنساني

«آيديولوجيا» التضامن الإنساني

«آيديولوجيا» التضامن الإنساني

 العرب اليوم -

«آيديولوجيا» التضامن الإنساني

بقلم - عمرو الشوبكي

اتضح في الأشهر الأخيرة نمطٌ من التضامن العالمي مع أهل غزة حرّكته دوافع إنسانية، وشكّلته أساساً منصات التواصل الاجتماعي قبل المحطات التلفزيونية وكبريات الصحف، حين نقلت بالصوت والصورة المآسي اليومية للنساء والأطفال، وجرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزل.

والمؤكد أن هذه الحرب طرحت حالةً من التضامن الإنساني، عابرة لكثير من الانقسامات الآيديولوجية، خصوصاً في «البلاد البعيدة» وتحديداً في كبريات الدول الغربية وغيرها، فمواقف كثير من طلاب الجامعات الأميركية من حرب غزة حرّكتها الدوافع الإنسانية التي أزالت الغبار عن حزمة من الأفكار والمبادئ التي ترفض القتل العشوائي والكراهية، وليس عندها استعداد أن تتسامح مع استهداف المدنيين العزل تحت مبرر أميركي واهٍ يقول «من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها»، والذي بات مدخلاً لارتكاب جرائم غير مسبوقة بحق المدنيين لم يعرفها «عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية».

صحيح أن التضامن الإنساني لم يكن «منزوع السياسة» بالكامل، وأن الكتابات المدنية والحقوقية حول المساواة بين الشعوب، ورفض المعايير الغربية المزدوجة، كانت حاضرة في احتجاجات الطلاب وأصوات كثير من التيارات السياسية التي نزلت الشوارع تطالب بوقف الحرب، إلا أن التحول الكبير الذي حدث يرجع إلى دور «الصوت والصورة» في نقل ما يجري في غزة من أنين الأمهات الثكالى، وكذلك صور أشلاء الأطفال التي حرّكت الناس للتضامن مع أهل غزة، وليس أساساً الكتابات التي تبنّت قيماً مدنية وحقوقاً متساوية بين الأمم والشعوب والتي حرّكت احتجاجات سابقة، لكنها لم تحرّك هذه الاحتجاجات.

علينا أن نتأمل الفارق الكبير بين دوافع احتجاجات الطلاب في 1968، واحتجاجات اليوم على حرب غزة، وهي المقارنة التي شغلت بال كثير من الصحف ومراكز الأبحاث الأميركية، ولكن غاب عنها جانب مهم يتعلق بتفرد حضور البعد الإنساني في الاحتجاجات الحالية.

صحيح أن أحد الدوافع الرئيسية وراء احتجاجات 1968 في فرنسا وأميركا كان وقف الحرب في فيتنام، مثلما يطالب الطلاب اليوم بوقف الحرب في غزة، ولكن مع فارق أساسي هو أن طلاب جامعة نانتير الفرنسية الذين تظاهروا احتجاجاً على حرب فيتنام وقمعتهم الشرطة بشدة كانت تحركهم آيديولوجيات يسارية بعضها ينتمي لما عُرف بـ«اليسار الجديد»، والبعض الآخر ينتمي لتنظيمات ماوية وتروتسكية وُصفت بـ«اليسار الثوري»، أو المتطرف، وكل هؤلاء كانت منطلقاتهم الآيديولوجية التضامنَ مع فيتنام ورفض الحرب الأميركية، يسارية وثورية، وكان الكتاب الفكري والتنظيم السياسي الثوري والبرنامج الحزبي، البوتقة التي تربى فيها هؤلاء الشباب ودفعتهم نحو الرفض والاحتجاج، وكان حضور الصورة محدوداً، ولم تكن هناك فضائيات عربية أو أجنبية ولا منصات تواصل اجتماعي، وفرض الجيش والإدارة الأميركيّان حظراً كبيراً على نشر أي أخبار أو صور تأتي من فيتنام.

ولنا أن نتصور وزن الآيديولوجيا السياسية في تعبئة طلاب فرنسيين ضد حرب فيتنام التي لا تشارك فيها بلدهم ولا يشاهدون صورها، ومع ذلك كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء اندلاع واحدة من أكبر وأعنف الثورات الطلابية في العالم، وكان اعتقال الشرطة لمئات الطلاب الذين تظاهروا رفضاً لحرب فيتنام سبباً في إشعال فتيل ثورة مايو (أيار) 1968، وأدت إلى إقدام زعيم كبير مثل ديغول على الاستقالة في عام 1969.

إن الآيديولوجيا السياسية كانت المحرك لمعظم الاحتجاجات التي شهدها العالم في العقود الماضية، وإن الأمر اختلف فيما يتعلق بحرب غزة، فالصوت والصورة والوسائط البديلة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خلقت طوفاناً حقيقياً من التضامن الإنساني مع أهل غزة، حرّكته الجرائم المروعة التي تجري بحق المدنيين العزل، فالغالبية العظمى من هؤلاء المحتجين المتضامنين لا يتعاطفون مع آيديولوجية حركة «حماس»، فنقول مثلاً إن الإسلاميين في أوروبا وأميركا هم الذين ينزلون إلى الشوارع للتضامن مع «الأممية الإسلامية» في غزة، كما فعل الطلاب اليساريون في ستينات القرن الماضي حين تضامنوا مع رفاقهم اليساريين في فيتنام ضد «الإمبريالية الأميركية»، إنما تضامن مع غزة طوفانٌ من البشر يضم مختلف الأديان والأعراق بمَن فيهم اليهود، خصوصاً في أميركا، وأعلنوا رفضهم لتلك المجازر المروعة للضمير الإنساني من دون أن يعرفوا بالضرورة كثيراً عن القضية الفلسطينية، ولا عن الانقسام الفلسطيني، ولم ينتموا إلى آيديولوجية «فتح» ضد «حماس» أو العكس، إنما على الأرجح هم «ضد الاثنتين» ومع الأبرياء العزل.

صحيح أن تضامنهم الإنساني دخل في قنوات سياسية تطالب بوقف الحرب، والمساواة بين الشعوب، ورفض المعايير المزدوجة، إلا أن هذه القنوات لم تكن ستخرج بكل هذه القوة والعنفوان ما لم يكن هناك «صوت وصورة» صنعا هذا التضامن الإنساني الهائل في مختلف دول العالم، وبات في ذاته يشبه «الآيديولوجيا الجديدة».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«آيديولوجيا» التضامن الإنساني «آيديولوجيا» التضامن الإنساني



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab