بقلم : عمرو الشوبكي
هناك أيديولوجيات وعقائد سياسية قائمة على إلغاء الفرد، فمادامت تعتبر نفسها أيديولوجيا سامية ونبيلة فمن حقها أن تلغى دور الفرد أو تعتبره ملحقًا بها، وعليه أن يلتزم باختياراتها دون مناقشة أو مراجعة.
وقد شهد العالم أيديولوجيات كثيرة «محصنة» مثل الشيوعية والقومية، وعرف أيضًا «حصانات» معاصرة للأيديولوجيات الدينية والاشتراكية، وعرفنا فى عالمنا العربى حصانة لنظم صاغت «خلطة» من الأفكار الوطنية والاشتراكية والدينية لم تصمد كثيرًا أمام التحديات الإقليمية والدولية، ولم تنجز الكثير فى ساحة السياسة والاقتصاد.
وقد مثلت «أيديولوجيا المقاومة» فى عالمنا العربى، وخاصة فى فلسطين ولبنان، واحدة من أكثر الأيديولوجيات التى راجت فى السنوات الأخيرة، ونالت كثيرًا من الدعم والمعارضة، فكثير من الناس اتفقوا على مبدأ مقاومة الاحتلال، واختلفوا على أدوات المقاومة وتوقيتها وطريقة إدارتها، وخاصة بالنسبة لعملية ٧ أكتوبر، أما فى لبنان فإن الأمر يختلف لأن مَن يرفضون «أيديولوجيا المقاومة» يقولون إن البلد لم يعد محتلًّا، ويعترفون بدور رئيسى لحزب الله فى تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلى عام ٢٠٠٠ وبمشاركة مختلف القوى السياسية والدينية اللبنانية، أما حاليًا فلم يقتنع معظم اللبنانيين بجبهة الإسناد التى فتحها حزب الله لصالح دعم المقاومة فى فلسطين ودفع ثمنها لبنان كله. صحيح أن أغلب هذا التيار باتوا فى الوقت الحالى يدعمون حزب الله، ويتمنون صموده فى مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية بعد الجرائم التى ارتُكبت فى غزة (مؤخرًا جباليا) وفى جنوب لبنان والضاحية، واعتبروا أن مناقشة موضوع خيارات المقاومة وأخطائها أمر مؤجل إلى مرحلة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلى. من المؤكد أن حزب الله امتلك بنية عقائدية قوية وصلبة ساعدته على الصمود فى وجه التفوق التكنولوجى الإسرائيلى، كما أنه قدم تضحيات كبيرة وشهداء من أجل القضية الفلسطينية، ولكنه أعطى لأيديولوجيته حصانة خاصة جعلته يتجاهل تقديرات شركائه فى الوطن من باقى مكونات الشعب اللبنانى حول ما سماه حرب «الإسناد» لصالح غزة. بالمقابل، فإن «أيديولوجيات الحصانة» العقائدية تقول إنه لا يمكن أن نقلل من حجم التفوق التكنولوجى مع إسرائيل إلا بالبعد العقائدى الذى يجعل عنصر المقاومة مستعدًّا للصمود والشهادة على عكس الجندى «المرفه» الذى يتمتع بحصانة التكنولوجيا وليس قوة العقيدة. من الصعب إلغاء الجانب العقائدى فى تجارب المقاومة والتحرر، خاصة فى فلسطين، إلا أنه من الصعب أيضًا بناء نسق عقائدى منعزل عن الأفراد أو العلم أو العالم، وفى نفس الوقت يجب أن يكون مستعدًّا لوقف القتال إذا استدعى الأمر، ويقاتل بدعم الناس، ولا يعتبر الضحايا مجرد أرقام لأن المقاومة لديها أهداف نبيلة. يس مطلوبًا من فصائل المقاومة أن تتخلى عن مبدأ المقاومة، ولكن أن تصيغ أيديولوجيتها وهى واضعة أمام أعينها تقديرات أفراد شعبها لأنها تعمل لصالحه وليس لصالح تنظيماتها أو أيديولوجيتها.