بقلم -عمرو الشوبكي
اتضحت ملامح السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة منذ خطاب الرئيس بايدن الأسبوع الماضى، وتبلورت توجهاتها الجديدة فى الداخل والخارج تختلف كثيرا عن مرحلة سلفة الرئيس ترامب. صحيح أن الإدارة الجديدة ستبقى منشغلة بمواجهة جائحة كورونا وتحقيق فارق نوعى مقارنة بأداء ترامب، وهو ما حدث بالفعل حيث يتم تطعيم أكثر من 1.6 مليون مواطن يوميا (بلغوا حاليا 55 مليون شخص)، وسيتم تحقيق ما وعد به بايدن، بتطعيم 100 مليون شخص فى 100 يوم.
والحقيقة أن مواجهة كورنا تمثل أولوية قصوى للرئيس الجديد حتى يضمن جذب قطاع من مؤيدى ترامب أو على الأقل تحييدهم، لضمان المضى قدما فى توجهاته الجديدة التى هى محل خلاف تقليدى بين الديمقراطيين والجمهوريين، دون عوائق كبيرة. ومع ذلك لم تغب ملامح السياسة الخارجية للإدارة الجديدة، فقد عادت لتحالفها الاستراتيجى مع أوروبا وأعلنت عودتها لاتفاق باريس للمناخ وعن خطة لحل المشاكل الاقتصادية العالقة ودعم الشراكة بين ضفتى الأطلنطى. كما اتخذت الإدارة الجديدة موقفا أكثر عمقا تجاه الصين، ليس فقط بسبب الصراع التجارى والتنافس على الأسواق (وهو كان حادثا فى عهد ترامب) إنما أيضا بسبب قناعتها أن الصين تمثل خطرا على الديمقراطية الأمريكية وتقدم نموذجا مناهضا قادرا على الإنجاز والمنافسة علميا واقتصاديا وعسكريا. أما بالنسبة للسعودية فقد تبنت الإدارة الجديدة «توجها مركبا» تجاه المملكة، فمن ناحية رفضت الحرب فى اليمن وتوقفت عن المشاركة فيها ودعمها كما عبرت عن قلقها بشأن ملف حقوق الإنسان، لكنها فى نفس الوقت أعلنت أنها ستحافظ على أمن المملكة وسيادتها وحدودها ورفضت عمليات الحوثى الإرهابية. أما موقف الإدارة الجديدة من إسرائيل، فهو لم يختلف عن مواقف الإدارات السابقة من الدولة العبرية، التى اعتبرت أمنها مسؤولية أولى مثلها مثل باقى الولايات الأمريكية، ولكنها ستتراجع عن صفقة القرن وستحاول إحياء حل الدولتين الذى لن يتقدم خطوة واحدة للأمام فى ظل الانقسام الفلسطينى.
وقد عبر وزير الخارجية الأمريكى الجديد عن حدود الموقف الأمريكى من قضية الأراضى العربية المحتلة حين اعتبر أن الجولان مهمة لأمن إسرائيل دون أن يعتبرها جزءا من الأراضى الإسرائيلية كما فعل ترامب. كما حرصت الإدارة الجديدة على تبنى سياسة احتوائية تجاه إيران، وأعلنت استعدادها للعودة للاتفاق النووى، وبعدها يمكن بحث رفع العقوبات، وهو ما رفضته إيران التى تشترط رفع العقوبات الأمريكية أولا. توجهات بايدن تقول إنه سيدافع عن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، صحيح أنه ملف كثيرا ما وظف لأغراض سياسية ولكن أفضل تعامل معه، أن تحترم الدساتير والقوانين الوطنية وتصحح الأخطاء الداخلية بعيدا عن أى ضغوط خارجية. يقينا هناك توجهات جديدة لإدارة بايدن ستختلف كثيرا عن الإدارة السابقة والمطلوب الاشتباك معها بالسياسة والمهنية والمصالح المتبادلة.