بقلم : عمرو الشوبكي
أخطر ما جرى فى سوريا عقب الجرائم التى شهدتها منطقة الساحل واستهداف عشرات المدنيين الأبرياء، أنها أعادت فتح جراح كثيرة فى الجسد العربى والسورى لا تتعلق فقط بحوادث عنف طائفى شهدتها عدد من بلدان المشرق العربى، إنما فى إهدار النظام السابق لفرص الإصلاح.
والمؤكد أن سوريا مثل كثير من النظم العربية لم تعرف نظمها تقليد الاعتراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها ومحاسبة المسؤولين عنها ثم تطبيق سياسات جديدة تتلافى الأخطاء السابقة.
فلايزال الكثيرون يتذكرون أنه بعد اندلاع الثورة السورية فى 2011 اعتقل الطفل حمزة الخطيب (13 عاما) ابن محافظة درعا، وتعرض لتعذيب مشين وقتل، وفى البداية تظاهر أهالى منطقته من أجل فقط محاسبة من قتلوه، فتعامل النظام بصلف وقمع مع المحتجين العزل حتى دفعهم إلى الانتقال من المطالبة بمحاسبة القتلة إلى المطالبة بسقوط النظام، ثم دفعت المذابح التى ارتكبت بحق المتظاهرين السلميين كثيرا منهم إلى حمل السلاح، وظهر الجيش الحر وجبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل المسلحة التى واجهت النظام حتى أسقطته فى شهر ديسمبر من العام الماضى.
فرصة الإصلاح من داخل النظام جاءت فى 2014 حين انتقلت الثورة السورية من مرحلة الاحتجاج السلمى إلى حمل السلاح ودخلت داعش وعدد من تنظيمات التطرف والإرهاب على الخط وارتكبت جرائم وانتهاكات من الجميع بما فيهم طبعا النظام، وطرح وقتها بديل من عائلة الشرع وهو فاروق الشرع وزير خارجية سوريا الأسبق والسياسى المخضرم، والذى تمتع بقبول داخلى وخارجى وكان يمكن أن يكون حلا ينقذ الدولة السورية من الانهيار الذى شهدته بعد ذلك على يد بشار ويحقن دماء مئات الآلاف من السوريين، ولكن النظام رفضه كبديل آمن من داخله، ووضع الشرع تحت الإقامة الجبرية واستمر فى جرائمه حتى جاءت النهاية المحتومة.
فرص الإصلاح الضائعة واحدة من سمات كثير من النظم العربية، فمن قال إن صدام حسين لم يكن أمامه فرصة ليراجع خطيئته الكبرى بغزو الكويت ويتنحى بعدها ويترك السلطة «لنصف إصلاحى» من داخل نظامه يفك الحصار عن العراق وربما يجنب البلاد الغزو الأمريكى، ومن قال إن القذافى الذى بقى 42 عاما فى السلطة لم يكن أمامه فرصة للإصلاح والابتعاد عن الحكم.
لقد اعترف النظام الجديد بوجود انتهاكات وجرائم حدثت فى الساحل وحاول تصحيح الأخطاء ومحاسبة المسؤولين عنها بصرف النظر إذا كانت بنيته الحالية ستسمح له أن يتجه نحو إصلاح وإعمال القانون أم لا؟ إنما فى النهاية قدّم محاولة لم تعرفها سوريا من قبل، وهى الاعتراف بالخطأ، والوعد بمعالجته وإصلاحه.
التحديات التى تواجه سوريا كثيرة ولا يحتمل وضعها الحالى تكرار نفس الفرص التى أضاعتها نظم سابقة كثيرة فى العدل والإصلاح وإعمال القانون.