بقلم : عمرو الشوبكي
من الواضح أن غالبية الناس لم تنزل إلى الشوارع فى 25 إبريل، سواء كانت مؤيدة أو معارضة، والمقصود بأغلبية الناس الكتلة الشعبية التى تعودت على النزول إلى الشوارع منذ ثورة 25 يناير، ودون أن تعتبر أن عملها الوحيد فى الحياة هو التظاهر.
يقيناً هناك تيار واسع من المواطنين العاديين نزل فى 25 يناير و30 يونيو وفى تفويض السيسى، وهناك ما يقرب من 80% من الكتلة التصويتية للمصريين انتخبوا الرئيس فى 2014، وأن الجزء الأكبر من هؤلاء انسحب من المشهد السياسى إما معارضا «فيسبوكيا» أو مؤيدا «من منازلهم»، أما المعارضون والمؤيدون على أرض الواقع، فهؤلاء تزايدوا فى الحالة الأولى بعد الإدارة المخزية لملف تيران وصنافير، يقابلهم مؤيدون كثيرون، بعضهم من ربات البيوت الذين لا يبارحون منازلهم قط، وبعضهم (وهم قلة قليلة) شاهدناهم يرفعون أعلام السعودية ويعلنون بكل أريحية أنهم على استعداد للتنازل، ليس فقط عن الجزيرتين، إنما عن الهرم وأبو الهول «وأم الهول».
والمؤكد أن المعارضة المدنية حصلت على نقطة مؤكدة فى معركتها مع السلطة الحالية، ليس بسبب جهد استثنائى قامت به، إنما بسبب خطأ تاريخى ارتكبه الحكم بالطريقة التى أعلنت وأدارت بها ملف الجزيرتين.
ويصبح السؤال المطروح ليس فى إسقاط النظام ولا فى رفع شعارات مثل شعار «يسقط حكم العسكر» تؤدى بك تلقائيا إلى حشر نفسك فى زاوية ضيقة وحصولك على تعاطف 1% من الشعب، فى حين أنه لو ركز المحتجون والجماعات الشبابية فى مطالبهم السياسية على موضوع الجزيرتين أو الإصلاح السياسى والعفو الرئاسى، وعارضوا الحكومة والرئيس لا دعوا لإسقاط النظام من أجل كسب نقاط جديدة تدفع البلاد (بما فيها النظام نفسه) إلى التغيير والإصلاح.
يقينا هتافات المتظاهرين ليست برنامجا سياسيا، ولا يجب اتخاذها منطلقا للحكم على توجهات الحراك الشعبى الذى حدث فى البلاد منذ بدايات هذا الشهر، إلا أنه من المؤكد أن هناك تيارا دائما فى أوساط المعارضة المصرية يمتلك قدرات استثنائية فى استبعاد الجميع إلا شلته ويحمل آراء إقصائية لكل التيارات إلا مجموعته، ويعتبر أنه بذلك أصبح نموذجا للنقاء الثورى، متناسيا أنه يفعل مثل كثير من الرموز المؤيدة للنظام ممن احتكروا الوطنية باسم الدفاع عن النظام (احتكار الدين والثورية وغيرهما)، حتى فقدوا كل يوم جزءا من ظهيرهم الشعبى.
لا أحد يقول إن مظاهرات الشارع غير مهمة، لأنها كانت طرفا حاسما فى إسقاط مبارك عقب الـ18 يوما من عمر ثورة 25 يناير، ولكن الأخطر دائما هو حسابات «ما بعد الشارع» وما بعد سقوط أو تنحية أى نظام، فالشارع لعب دورا رئيسيا فى إسقاط مبارك، ولكن يقينا أيضا أن نتيجة الفراغ الذى ترتب على سقوط مبارك وحل الحزب الحاكم هو بقاء الجيش والإخوان المسلمين كقوى منظمة أعادت ترتيب المشهد، وربما لو قبلت التيارات الثورية بنظرية إصلاح النظام (بتنحى مبارك فورا أو فى شهر سبتمبر) وتقديم بديل إصلاحى من داخله، ليمثل الجسر الذى عرفته مجتمعات كثيرة (كما طالبنا وقتها) بين النظامين القديم والجديد، لكنا ربما فى وضع أفضل مما نحن فيه الآن.
لا يجب العمل بأى شكل على إسقاط النظام (وربما أى نظام فى الوقت الحالى) إنما إصلاحه وتغييره بوسائل سلمية، وعلى التيارات الرافضة للحكم الحالى أن تقدم بدائل سياسية وخطابا إصلاحيا قادرا على احترام التنوع والخلاف الموجود داخل المجتمع لا المساعدة فى إدخال البلاد فى فوضى، حتى لو اعتبرت أن الحكم هو المسؤول الرئيسى عنها.