قانون بناء الكنائس والواقع

قانون بناء الكنائس والواقع

قانون بناء الكنائس والواقع

 العرب اليوم -

قانون بناء الكنائس والواقع

بقلم : عمرو الشوبكي

قانون بناء الكنائس أثار جدلاً أكثر مما عكس توافقاً، والاستقطاب الذى حدث بين تيار مسيحى شاب وكل من الكنيسة والدولة كان واضحا، ورفض قطاع واسع من التيار المدنى الليبرالى للقانون من زاوية انتقاصه لحق المواطنة وفرضه قيوداً على بناء الكنائس.

وقد تضمن القانون 10 مواد وحددت مادته الأولى شكل الكنيسة كالتالى:

الكنيسة: مبنى مستقل قد تعلوه قبة أو أكثر تمارس فيه الصلاة والشعائر الدينية للطوائف المسيحية على نحو منتظم، ولها الشكل التقليدى، يتكون من طابق واحد أو أكثر وله سقف واحد أو أكثر، على أن يُحاط المبنى بسور إذا زادت مساحة الأرض على ٣٠٠ متر، ويجوز أن يشمل: «هيكلاً أو منبراً» و«صحن الكنيسة» و«قاع المعمودية»، و«المنارة»: جزء مرتفع من مبنى الكنيسة على شكل مربع أو مستطيل أو مثمن الأضلاع، أو على شكل أسطوانى أو غيرها من الأشكال، يكون متصلاً بمبنى الكنيسة أو منفصلاً عنه، وفق التقاليد الدينية، كالجرس والصليب، وبمراعاة الارتفاع المناسب والتصميم الهندسى، بالإضافة لتحديد «ملحق الكنيسة»: ومبنى الخدمات وبيت الخلوة ومكان صناعة القربان (فصل القانون شكلها).

ونصت المادة الأولى على عكس الشائعات التى ترددت على وجود صليب، وهو أمر بديهى ولا يمكن تخيل وجود كنيسة فى الدنيا بدون رمزها الدينى الأسمى، كذلك نصت المادة العاشرة (وهو أمر إيجابى أيضا) على أنه فى سائر الأحوال لا يجوز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية فى أى من المبانى الٌمشارة إليها أو ملحقاتها لأى سبب.

أما المشكلة الرئيسية فتكمن فى التخوف من فيتو المحافظين الأمنى على ترميم أو توسيع أو بناء أى كنيسة.

فكما جاء فى نص المادة الخامسة: ويقوم المحافظ المختص بالبت فى الطلب المشار إليه فى المادتين ٣ و٤ من هذا القانون بعد التأكد من استيفاء جميع الشروط المتطلبة قانوناً فى مدة لا تجاوز ٤ أشهر من تاريخ تقديمه، وإخطار مقدم الطلب بكتاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول بنتيجة فحص طلبه، وفى حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسبباً.

التخوف الذى تثيره هذه المادة هو أن حق الرفض أعطى للمحافظ وليس لرئيس الجمهورية كما كان فى النص القانونى السابق، بما يعنى أن المحافظ قد يكون عرضة لضغوط محلية واجتماعية مثلما سبق جعلته غير قادر على منع طرد المسيحيين من بيوتهم وليس فقط بناء كنائس.

التخوف المدنى والمسيحى من بعض مواد القانون مشروع، خاصة ما يتعلق بالتعقيدات الإدارية والتقديرات الأمنية التى قد تعوق بناء أو ترميم الكنائس، فى حين أن المشكلة الحقيقية تكمن فى تعاملنا مع كثير من الملفات بطريقة النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال دون أى حديث علنى عن المشاكل المعاشة فى الواقع.

إن تقدير الأجهزة الأمنية والتنفيذية أن هناك واقعا مجتمعيا، خاصة فى الريف، لا يقبل وجود كنائس ويعتبره اعتداءً على هويته الإسلامية، مثلما يعتبر نظراء لهؤلاء فى أوروبا أن بناء المساجد اعتداء على هوية البلد المسيحية وثقافته (سمعتها كثيرا هذه الجملة فى فرنسا العلمانية)، وهؤلاء كانوا على الهامش فى الفترات السابقة، ولكنهم تحولوا مؤخرا إلى ظاهرة اجتماعية وليس قلة منحرفة أو متشددة كما يروج هتيفة العصر وكل عصر.

والمؤكد أن نقطة الانطلاق الأولى لابد أن تكون بالاعتراف بأن هناك تحولاً أصاب المجتمع المصرى، وأن هناك خطابا متعصبا يتبناه قطاع يعتد به من المسلمين والمسيحيين، فيه نفى للآخر ورفضه، مع فارق رئيسى أن من يستخدم العنف هم فى غالبيتهم الساحقة مسلمو الديانة.

والحقيقة أن معالجة التعصب الطائفى لن تكون فقط باسترجاع ما قيل فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية من أن الله أمرنا باحترام حقوق الأقباط وأوصانا بهم خيرا، إنما بالبدء فى تكريس ثقافة مدنية قائمة على احترام الآخر وليس بالضرورة حبه، وتكريس معانى محاسبة المخطئ من الجانبين لا أخذ أهله وعائلته وأبناء ديانته رهائن وطردهم من الحى أو القرية كما حدث أكثر من مرة لعشرات العائلات المسيحية، رغم أن أى مجتمع قطع شوطا ولو محدودا نحو الحداثة ودولة القانون من يرتكب خطأ أو جريمة فيه يُحاسب هو فقط على فعلته وليس عائلته وأهله.

والمؤسف أن مصر بحاجة إلى قوافل تواصل مدنية متصالحة مع قيم الدين ولا تنظر بتعالٍ لأحوال الصعيد ومشاكله، تحل مكان الصيغة التقليدية لجلسات الصلح العرفى التى صُممت من أجل أن يفلت الجناة من العقاب، وتُحدث جروحا سلبية بسبب شعور المسيحيين بأنهم مطالبون مع كل اعتداء يتعرضون له بأن يقبلوا الصلح من أجل البلد والوحدة الوطنية، فى حين لا يدفع مرتكبو الجرائم من المسلمين أى ثمن.

الخوف من ردات الفعل المجتمعية وإيثار السلامة وتسكين الأمور على ما هى عليه هى التى دفعت الدولة إلى فرض قيود على بناء الكنائس، فى حين أن فلسفة إصدار أى قانون تقوم على عدم الخضوع لمثالب الواقع، صحيح هى ستراعى ظروف المجتمع والواقع، ولكنها لن تخضع لابتزاز المتعصبين والطائفيين، لأن القانون لا يخرج من أجل مراعاة المخالفين، إنما ردعهم ودفعهم للتخلص من أمراضهم.

إن القانون فى حالة بناء الكنائس مثل حالات كثيرة خضع لابتزاز الواقع، فى حين أن القانون فى كل مكان فى العالم يواجه مثالب هذا الواقع ويهذبه ويردع المخالفين، فهل هناك من يختلف على أن العنصرية مازالت موجودة فى الغرب، وأن التمييز بحق الأمريكيين من أصول أفريقية لايزال موجودا؟ إلا أنه لولا دولة القانون التى قضت على صور التمييز القانونى بين كل الأمريكيين لما جاء أوباما رئيسا لأكبر دولة فى العالم، وبالقانون يمكن أن نردع المتطرفين المعتدين ونجبرهم على احترام حق المصريين فى الصلاة داخل دور العبادة بأمن وسلام ودون قيود.

arabstoday

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

GMT 05:40 2024 الأحد ,28 تموز / يوليو

الإسقاط على «يوليو»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون بناء الكنائس والواقع قانون بناء الكنائس والواقع



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - سوسن بدر تتحدث عن حبها الأول وتجربتها المؤثرة مع والدتها

GMT 19:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بثلاثية ضد كومو

GMT 13:54 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

دعوى قضائية تتهم تيك توك بانتهاك قانون الأطفال فى أمريكا

GMT 14:19 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يتجه لتحقيق أكبر مكسب أسبوعي منذ أكتوبر 2022

GMT 13:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا إلى 215 شخصا

GMT 15:57 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

اختفاء ناقلات نفط إيرانية وسط مخاوف من هجوم إسرائيلي

GMT 06:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 10:04 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مصرع 4 وإصابة 700 آخرين بسبب إعصار كراثون في تايوان

GMT 09:20 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab