دروس من أفغانستان والعراق لغزة

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

 العرب اليوم -

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

بقلم - عمرو الشوبكي

تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة بأن الدولة العبرية ستسيطر أمنياً على قطاع غزة، تؤكد أن إسرائيل لم تحاول استخلاص بعض العبر والدروس من حروب حليفتها الكبرى الولايات المتحدة و«غزواتها» في العراق وأفغانستان، والتي انتهت بمآسٍ كبرى دفع ثمنها مئات الآلاف من أبناء الشعبين، وأيضاً هزيمة كبرى للمشاريع الأميركية التي حاولت هندسة الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري في كلا البلدين وكانت نتيجتها فشلاً مدوياً.

العِبر من الغزو الأميركي لأفغانستان والتخلص من حكم «طالبان» (2001) ومن الغزو الأميركي للعراق والتخلص من نظام صدام حسين (2003) كثيرة، وكلها لم تحاول إسرائيل أن تقرأها أو الاستفادة منها وهي تعيد تكرار تجارب الفشل نفسها في غزة وبصورة أكثر قسوة ودموية.

صحيح أن غزة ليست العراق و«حماس» ليست «طالبان»، لكن يقيناً الفكرة التي حكمت الغزو الأميركي لكلا البلدين وهي الاستئصال والاجتثاث لحكم «طالبان» وحكم «البعث»، وهندسة بديل سياسي جديد على «المقاس الأميركي» فشلت تماماً مثل الفكرة التي تحكم إسرائيل حالياً، وهي اجتثاث «حماس» والقضاء على المقاومة و«تنظيف» غزة لصالح بديل تصنعه أو تساهم في صنعه عبر سيطرتها الأمنية.

والحقيقة، أن الولايات المتحدة غزت العراق بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وثبت كذبها، ولكنها في الوقت نفسه تصورت أنها يمكن أن تصوغ مشروعاً ديمقراطياً جديداً للعراق يكون نموذجاً لدول المنطقة واعتمدت أطروحة وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كوندوليزا رايس في الفوضى الخلاقة التي من خلالها راهنت على تأسيس شرق أوسط جديد على أنقاض القديم الذي وصفته بالاستبداد وتفريخ الإرهاب.

لم تبنِ أميركا بعد احتلالها العراق النموذج الذي أرادته، وتحولت حربها على الإرهاب إلى أحد أسباب انتشاره، كما أصبحت القوى المؤثرة على الأرض هي تنظيمات وميليشيات شيعية خارج مؤسسات الدولة ومعادية لأميركا ومرتبطة بالاستراتيجية الإيرانية. كما أن الحكومة العراقية الحالية اتسمت سياساتها بقدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، ورفضت أن تصطف معها في مواجهة إيران والعكس أيضاً، بما يعني أن ما حاولت أميركا أن تهندسه في العراق حدث تقريباً عكسه.

أما في أفغانستان، فقد كانت أميركا أكثر سخاءً في الإنفاق على «نموذجها السياسي» مقارنة بالعراق، فقد أنفقت أكثر من تريليون دولار على تأسيس جيش جديد وسلّحته ودرّبته وبنت أشكالاً ديمقراطية ومؤسسات حديثة من الخارج، ولكنها من الداخل كان «يعشش» فيها الفساد وسوء الإدارة رغم مظهرها الحداثي.

20 عاماً قضتها أميركا في أفغانستان تبني نموذجاً بديلاً لـ«طالبان»؛ وفشلت لأنها كانت قوة احتلال، وانسحبت وتركت السلطة لحركة «طالبان» التي حاربتها منذ 2001.

والحقيقة، أن هذا الفشل لأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم في اجتثاث أعدائها الذين حاربتهم في العراق وأفغانستان، وجاءتهم لتنتقم بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) لم يلفت نظر إسرائيل، التي تحاول تكرار تجربة الاجتثاث مع حركة «حماس» في غزة، وتصنيع نموذج جديد لا يحمل أي مشاريع سياسية مثل التي روَّجت لها أميركا في تجاربها الفاشلة، إنما يعتمد فقط على القتل والتهجير.

إسرائيل ترتكز على القوة العسكرية الغاشمة وقتل المدنيين في رسالة ترويع من أجل عدم تكرار «7 أكتوبر (تشرين الأول)» مرة أخرى، وتعمل على ترتيب سيطرة أمنية على غزة منزوع عنها أي رؤية للحل السياسي، إنما اختراع أشكال مختلفة لاستمرار الاحتلال.

إن الخطط الإسرائيلية في تفريغ قطاع غزة والسيطرة الأمنية عليها قد تنجح لبعض الوقت، ولكنها لن تنجح طول الوقت، وستعود الأسباب نفسها (ومعها أخرى) التي أدَّت إلى تفجر المواجهة الحالية لتنفجر مرة أخرى في وجوه الجميع بصورة أكثر قسوة.

إن مشروع اجتثاث حكم «البعث» في العراق خلّف إرهاب «القاعدة» و«داعش» وميليشيات شيعية متطرفة، والفشل في خلق نموذج بديل في أفغانستان أعاد «طالبان» مرة أخرى للسلطة، ومشروع اجتثاث المقاومين والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة سيعيد العنف بصورة أكثر قسوة وعشوائية إلى كل الأراضي الفلسطينية وداخل إسرائيل. المطلوب فتح باب التسوية السلمية الذي سيؤدي إلى ظهور جيل جديد من القادة الفلسطينيين أكثر اعتدالاً وفهماً لما يجري في العالم من قادة «حماس» الحاليين.

فالاعتدال لن يأتي «بقرار» إسرائيلي أو دولي أو حتى عربي، ولن يأتي بسيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة، إنما بتغيير الواقع الموجود على الأرض وجعل حياة الفلسطينيين مثل باقي شعوب الدنيا طبيعية أو شبه طبيعية فيها مشاكل التنمية ومحاربة الفقر وبناء دولة القانون وليس حياة الذل والقتل والتهجير بسبب سياسات الاحتلال.

المطلوب في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر بساطة من البدائل التي طرحتها أميركا في العراق وأفغانستان؛ لأنه يقوم فقط أو أساساً على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وليس بناء نموذج وتصنيع نخبة على مقاس إسرائيل أو أميركا.

ما دامت إسرائيل دولة استثناء فوق القانون والشرعية الدولية لا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة وتصرّ على استلهام تجارب الفشل الأميركية في أفغانستان والعراق بصورة أكثر دموية وعنفاً، سيضع المنطقة والعالم أمام مخاطر أكبر.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس من أفغانستان والعراق لغزة دروس من أفغانستان والعراق لغزة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab