بقلم : عمرو الشوبكي
سافرت إلى قرية دندرة فى محافظة قنا بصعيد مصر للمشاركة فى مؤتمر منتداها السنوى الذى ناقش قضية ثقافية وفكرية هامة حملت عنوان «الوعى كمدخل للإدراك الصحيح».إن رحلتى الأولى لهذا المهرجان كانت فى عام 2019 بدعوة من صديقى الراحل هانى رسلان ابن الصعيد الشامخ وأحد أهم الباحثين فى مجال إفريقيا والسودان.
والحقيقة أن أهمية مهرجان دندرة أنه نموذج فريد للعمل الأهلى المستقل فهو ليس امتدادا لسلطة أو معارضة، وبعيد تماما عن التحزب، ويأتى كمبادرة مجتمعية يرعاها الأمير هاشم الدندراوى رئيس المنتدى، وهى مبادرة أهلية ضاربة فى جذور الواقع المحلى.
واعتاد المهرجان أن يدعو مثقفين وكتابا وشعراء وأساتذة جامعات، وكنت قد اعتذرت فى البداية عن المشاركة هذه المرة بسبب سفرى فى اليوم التالى خارج مصر ولكن بعد أن علمت اعتذار كثير من الزملاء بسبب مشاركتهم فى أنشطة معرض الكتاب، أخذت مخاطرة تأخر طائرات الصعيد، والذى لم يحدث، ولم يؤثر على سفرى فى اليوم التالى.
ويقام المنتدى على أرض فضاء فى قرية دندرة، وعلى مداخلها وضعت لوحات جرافيتى من البيئة المحلية توصلك إلى صوان ضخم يضم آلاف الحاضرين. ثم هناك صوان آخر يضم قسما لأنشطة الأطفال فى الرسم والقراءة ومعرض كتاب ثم ساحة خالية يقام عليها بعد صلاة العصر رقصة التحطيب الصعيدية الشهيرة، وبعد صلاة العشاء تكون هناك سهرة الشعر والمدائح النبوية.
وحين كنا ندخل على الناس فى أى قسم من أقسام المعرض كانوا يخلون أماكنهم لنا بصورة أحرجتنا ليس لأن لديهم شعورا بأننا أحسن أو بهوات قادمين من العاصمة أو أننا لا سمح الله نمثل سلطة تخيفهم إنما فقط لأننا ضيوف وهى حفاوة من الصعب أن تجدها فى أى مكان آخر فى العالم إلا فى قنا.
يحتاج المجتمع المصرى أن يثق فى نفسه أكثر وفى قدراته الكامنة فلدية رغم الظروف الصعبة طاقات إبداع وإنتاج وأصالة فى كل مكان والمطلوب من الدولة دعم هذه النماذج أو على الأقل إفساح المجال لها دون أى قيود.
إن منتدى دندرة يمثل طاقة نور تدل على قدرة المجتمع المصرى على الفعل والمبادرة، وقدرته على التفاعل مع قضايا فكرية وثقافية تبدو معقدة، وحاولنا فى جلستنا التى ضمت معى الدكتور أحمد عمر أحد الأكاديميين المرموقين أن نبسطها وكان تفاعل الناس معنا ومع باقى الكلمات لافتا وملهما معا.
عدت فى المساء إلى القاهرة وفى صباح اليوم التالى استقللت الطائرة متجها إلى ميلانو لحضور مؤتمر عن العلاقات الأورمتوسطية نظمته الجامعة الكاثوليكية وحرصت أن أتناقش مع عدد من الأساتذة بعد التجول فى قاعات ومدرجات الجامعة؛ ماذا تفرق الجامعة الكاثوليكية عن باقى الكليات؟ فكان الرد: الفارق محدود... ويبقى هذا حديث الغد.