بقلم:عمرو الشوبكي
قال ترامب يجب أن تمر السفن الأمريكية بحرية عبر قناتى بنما والسويس، فهاتان القناتان ما كان لهما أن توجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية، وأكد فى منشور له أنه طلب من وزير الخارجية، ماركو روبيو، الإشراف على هذا الملف.
مطالبة ترامب مصر ضمنًا بعبور مجانى لسفن الولايات المتحدة له شقان، الأول قانونى وسيادى يخص مصر والثانى يتعلق بعقلية ترامب التجارية التى تحكم جانبًا رئيسيًّا من تصرفاته ومواقفه.
والمعروف أن قناة السويس بدأ إنشاؤها فى ٣٠ نوفمبر ١٨٥٤، حين منح محمد سعيد باشا، حاكم مصر، امتيازًا للفرنسى «فرديناند ديليسيبس» لتأسيس شركة قناة السويس برأسمال قدره ٢٠٠ مليون فرنك (حوالى ٨ ملايين جنيه مصرى)، وبعد افتتاح قناة السويس بعقود قرر الزعيم جمال عبدالناصر فى ٦ يوليو ١٩٥٦ تأميم القناة ونقل جميع أصولها إلى الدولة المصرية، مع تعهده بتعويض المساهمين، وهو ما حدث بالفعل مع حلول الأول من يناير ١٩٦٣، حيث كانت مصر قد سددت التعويضات، التى بلغت حوالى ٢٨٣٠٠٠٠٠ جنيه بقيمة ٨٠٠٠٠٠ سهم بالعملة الصعبة، قبل تاريخ استحقاقها بسنة كاملة.
إن السيادة القانونية المصرية على القناة قاطعة لا تقبل اللبس حتى بعد اتخاذ القرار التاريخى الذى غيّر خريطة العالم بتأميم قناة السويس، وهنا يمكن أن يكون فى ذهن الرئيس الأمريكى أن موقف الرئيس (الجمهورى) أيزنهاور، الذى طالب القوات الغازية بالانسحاب ودعم قرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن برفض العدوان الثلاثى على مصر، هو الذى أوجد قناة السويس. والحقيقة أن الموقف الأمريكى جاء ليدعم صمود الشعب المصرى بعد الهزيمة العسكرية فى سيناء، وأنه لولا التفاف الشعب حول عبدالناصر ودعمه قرار التأمين والبطولات الشعبية التى جرت فى مدن القناة فى مواجهة قوى الاحتلال لمَا كان للموقف الأمريكى أو السوفيتى أى جدوى.
صحيح أنه يُحسب لأمريكا فى ذلك الوقت أنها دعمت الإرادة الشعبية المصرية بصرف النظر عن حساباتها الاستراتيجية ورغبتها فى أن تملأ الفراغ الذى تركه أفول الاستعمار القديم بالمنطقة، كما أنها طالبت إسرائيل بالانسحاب من سيناء، وهدد الرئيس أيزنهاور، رئيس وزراء إسرائيل، بن جوريون، بوقف المعونة الأمريكية (١٠٠ مليون دولار فى ذلك الوقت) إذا لم تمتثل لقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب.
الدعم الأمريكى كان للإرادة الشعبية المصرية، وهو يُحسب لها بالتأكيد، ولكنه على عكس ما جرى مؤخرًا لا ينتمى للتجارب التى صنعت فيها الولايات المتحدة التغيير وكانت نتائجه كارثية، أو وقفت أمام التغيير والإرادة الشعبية وكانت أيضًا نتائجه كارثية.
سيادة مصر القانونية على قناة السويس لا تقبل الشك، أما مَن دعموا خيارها السياسى فى التأميم، فقد اتخذوا الموقف التاريخى الصائب، ولكن ترامب تصور أن أمريكا صنعت هذا الخيار، ويحاول بعد عقود أن يستفيد منه ماليًّا لتعوض خسائر حربه على الحوثيين.