بقلم : عمرو الشوبكي
بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بإطلاق سراح ثلاث أسيرات إسرائيليات، ويُفترض أن تنتهى هذه المرحلة فى شهر فبراير القادم بإطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًّا فى مقابل إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين، وبعدها سندخل فى المرحلة الثانية الأصعب، التى سيُطلق فيها جميع الأسرى الإسرائيليين من الجنود والضباط والشباب، فى مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وبينهم عدد من أصحاب «المحكوميات» المؤبدة، مثل مروان البرغوثى وأحمد سعدات وغيرهما.
ويبقى التحدى الحقيقى الذى يواجه هذا الاتفاق فى تحويل المرحلة الثانية إلى اتفاق نهائى لوقف إطلاق النار يسفر عن إعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية إلى قطاع غزة، وسيصبح السؤال: ما مستقبل فصائل المقاومة المسلحة، فى حال شهدت غزة نهاية للحرب، وبدأت عجلة إعادة الإعمار؟.
والحقيقة أن السجال- الذى عرفته المنطقة العربية حول جدوى أو نتائج خيار المقاومة المسلحة وعملية 7 أكتوبر، على ضوء ما تركته من آلام وجراح كثيرة وخلفت قتلى ومصابين بعشرات الآلاف- لم يلغِ الإقرار بأنها أعادت إحياء القضية الفلسطينية من جديد فى نفوس العرب والعالم، وأيقظت أصوات الضمائر العالمية فى مواجهة جرائم الإبادة الجماعية.
كما شهدنا تحركات ملهمة لدولة غير عربية مثل جنوب إفريقيا حين ذهبت إلى محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وطالبت المحكمة بإجراءات لحماية الشعب الفلسطينى لم تحترمها إسرائيل، وأعلنت دول أوروبية مهمة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفتحت أبوابًا كثيرة للنضال السلمى والقانونى ضد دولة الاحتلال.
صحيح أن حرب غزة أفقدت حماس الجانب الأكبر من قدرتها العسكرية، ولم يعد باستطاعتها أن تحصل على السلاح والدعم المادى كما كان يحدث فى الماضى، كل ذلك يجب أن يدفعها ومعها باقى فصائل المقاومة المسلحة إلى دعم خيارات المقاومة السلمية، ولو من خلف الستار لأن الحركة لن يُسمح لها بإدارة قطاع غزة كما كان الحال قبل 7 أكتوبر.
وبعيدًا عن أى نقاش فكرى أو سياسى حول أيهما له الأولوية، المقاومة المسلحة أم السلمية، فإنه بشكل عملى حرب غزة لم تُضعف قدرات إسرائيل العسكرية، التى تحصل على كل ما تريد من أمريكا، إنما أضعفت بشكل قاطع قدرات الفصائل الفلسطينية المسلحة، وفى نفس الوقت قوّت حضور التيارات المدنية السلمية المناصرة للقضية الفلسطينية فى العالم، وهو أمر يتطلب نخبًا وقيادات فلسطينية جديدة تتجاوز خطاب حماس والسلطة على السواء، وتكون قادرة على التفاعل مع هذه التيارات والمشاركة فى الضغوط والحملات القانونية على دولة الاحتلال.
ما بعد وقف إطلاق النار سيفرض تحديات جديدة على الساحة الفلسطينية، مطلوب من فصائل المقاومة المسلحة أن تقرأه جيدًا حتى تكون قادرة على التأثير فى أشكال جديدة متصاعدة من المقاومة السلمية والشعبية.