عودة للحروب الوطنية

عودة للحروب الوطنية

عودة للحروب الوطنية

 العرب اليوم -

عودة للحروب الوطنية

بقلم - عمرو الشوبكي

على مدار شهرين من المعارك بين الفلسطينيين والإسرائيليين طُرح سؤالٌ حول أسباب عدم مشاركة الدول العربية والإسلامية في المعارك بجانب إخوانهم في العروبة أو الدين؟ وأرجع البعض ذلك إلى ضعف النظم العربية واتهمها بالخوف من إسرائيل والتبعية لأميركا، مطالباً إياها بالحرب من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى.

وبعيداً عن خطاب المزايدات الذي احترفه البعض، فإن المؤكد أن التحول الذي جرى في العالم العربي لم يكن فقط تحول في طبيعة النظم القائمة إنما أساساً تغير الواقع المجتمعي، الذي وضع «الحسابات الوطنية» في قمة خياراته، وعدَّ أن المطلوب هو مزيد من التضامن والدعم للشعب الفلسطيني، سواء كان ذلك من القاهرة أو الرياض أو طهران، وليس المشاركة تحت أي لافتة في هذه الحرب.

والمؤكد أن هناك حنيناً مشروعاً لفترة تاريخية سابقة عرف فيها العالم العربي صوراً مختلفة من التضامن مع فلسطين والقضايا العربية شملت الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية، فحرب 1948 شاركت فيها 6 جيوش عربية، كما أن حرب 73 شاركت فيها بدرجات مختلفة معظم الجيوش العربية، وأصبح السؤال الذي يطرحه البعض بحسن نية لماذا لا تشارك الجيوش العربية في حرب غزة؟

والحقيقة أن ما جرى في فلسطين عام 1948 كان امتداداً لحروب الحلفاء والأعداء في الحرب العالمية الثانية، حين اصطف كل طرف مع حلفائه في الحرب الدائرة، وأن صور التضامن العربي الإسلامي في ذلك الوقت بين بلدان خرجت منذ عقدين من حكم دولة الخلافة الإسلامية، كما أن حسابات المصالح الوطنية شعبياً ورسمياً لم تكن حاضرة بالقوة نفسها كما هي الآن.

أما حرب 56 التي اندلعت عقب تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس فقد كانت محل تضامن وإجماع عربي في دعم مصر من المحيط إلى الخليج في وجه العدوان الثلاثي، ثم جاءت هزيمة 67 لتفتح باب التلاقي بين مصر والسعودية وتفرز دعماً عربياً بالمال والسلاح من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، ورفع مؤتمر قمة الخرطوم في 1968 اللاءات الثلاثة الشهيرة (لا صلح لا اعتراف لا تفاوض) في وجه إسرائيل.

وجاءت حرب 73 وشاركت فيها أيضاً الكثير من الجيوش العربية، رغم كونها كانت بالأساس حرباً وطنية لتحرير الأراضي المصرية والسورية المحتلة في سيناء والجولان، إلا أن حالة التضامن العربي والإسلامي والأفريقي وصلت إلى مشاركة البعض بالعمل العسكري، وقطع البعض الآخر علاقاته مع إسرائيل كما فعلت الدول الأفريقية.

والمؤكد أن مسار كامب ديفيد كان هو بداية الطريق لتكريس المسار المنفرد في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، وأن المنطق الذي حكم خطوة الرئيس السادات كان منطقاً وطنياً خالصاً، وقال إن مصر حاربت من أجل القضية الفلسطينية، وإن من مصلحتها الوطنية أن تدخل في مفاوضات سلام تؤدي إلى استعادة أراضيها المحتلة في سيناء، وهذا ما جرى عقب التوقيع على معاهدة كامب ديفيد في 1979.

لقد كانت كامب ديفيد تعبيراً عن تحول جرى في المجتمع المصري في اتجاه تكريس المصلحة الوطنية بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع طريقة الرئيس السادات في التعبير عن هذا التحول، إنما ترسخ شعور عام تقريباً في كل بلد عربي بأن «الحرب والسلام» هما قضايا وطنية وليست أممية أو قومية.

وتكرر الأمر، وإن بصورة مختلفة في لبنان عقب الغزو الإسرائيلي في 1982، حيث رفض طرف من اللبنانيين الوجود الفلسطيني المسلح، ولم يحتمل الطرف الآخر عنف ووطأة العدوان الإسرائيلي، فكان خروج أبو عمار الشهير من بيروت تعبيراً عن كون التضامن مع القضية الفلسطينية لا يعني بالضرورة الدخول في حرب ضد إسرائيل.

وتكرر الأمر مرة أخرى مع «حزب الله»، الذي وإن كان جزءاً من تحالف استراتيجي مع إيران، إلا أنه أدخل في حساباته تقدير الغالبية العظمى من اللبنانيين، بما فيهم جزء كبير من حاضنته الشيعية، برفض الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، واكتفى حتى الآن بالمواجهة المحسوبة معها.

وقد تعمق مفهوم الانتفاضات الوطنية لدى الشعب الفلسطيني عقب انتفاضته الشعبية في 1987 التي عرفت بانتفاضة الحجارة، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000 وغيرها، وعدَّ أنه يخوض حرب تحرير وطنية كبرى بأدوات جديدة اعتمدت على الداخل الفلسطيني وساهمت في فتح مسار سياسي أدى إلى التوقيع على اتفاق أوسلو في 1993، الذي فتح الباب أمام حل الدولتين قبل أن تجهضه السياسات الاستيطانية الإسرائيلية.

لقد ترسخ داخل العالم العربي والإسلامي في نصف القرن الأخير مفهوم المصالح الوطنية العليا التي باتت تشكل القيمة الأساسية في شرعية أي نظام سياسي مقارنة بما كانت عليه الحال في حرب 48 وغيرها، وأصبحت «الحسابات الوطنية» في الاستقرار والتنمية أو «الطموحات الوطنية» في التحرر والاستقلال هي التي تحكم شعوب العالم.

لا يمكن تخيل أن يكون «الممانعون» أو الذين يعلنون أن مشروعهم العقائدي والسياسي قائم على تحرير فلسطين لم يشاركوا في أي حرب، إلا إذا استدعت مصالحهم الوطنية ذلك، في حين يتهم المعتدلون بالتخاذل لأنهم لم يشاركوا في حرب غزة.

سيبقى مطلوباً من الدول العربية الكبرى تقديم مزيد من الدعم للشعب الفلسطيني وليس المشاركة في الحرب، بل العمل على وقفها، وإن أي نقد لأدائها سيكون بسبب أن هذا الدعم ما زال أقل من المطلوب، ويحتاج لتفعيل أدوات القوة العربية سياسياً واقتصادياً وقانونياً من أجل فضح الجرائم الإسرائيلية ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة للحروب الوطنية عودة للحروب الوطنية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab