بقلم : عمرو الشوبكي
اعتذرت تركيا لروسيا عن إسقاط إحدى طائراتها عقب عبورها الحدود التركية بمسافة اختلف عليها البلدان، أعقبه اتصال الرئيس الروسى بوتين بنظيره التركى أردوجان، يوم الأربعاء الماضى، تبادلا فيه حديثاً وُصف بأنه ودى وإيجابى.
والحقيقة أن التحول الذى حدث فى علاقات تركيا بروسيا يدل على نجاح الأولى فى إدارة علاقتها الدولية بمنطق الشريك وليس المعارض أو التابع حتى لو كانت فى وضع أضعف داخل هذه الشراكة وحتى لو كان أداء أردوجان السلطوى وغروره الفج يمثل عنصر رفض لدى كثير من القوى الكبرى فى العالم.
واللافت أن التقارب الروسى التركى جاء عقب الحادث الإرهابى الذى تعرضت له تركيا مؤخراً وأسفر عن سقوط 43 قتيلاً داخل مطار أتاتورك فى إسطنبول، وعكس خللاً أمنياً فادحاً وعجزاً سياسياً عن مواجهة الإرهاب نتيجة سياسات أردوجان المتخبطة.
وقد قررت روسيا، عقب الاتصال الذى جرى بين الرئيسين، رفع العقوبات السياحية عن تركيا رغم قسوة الحادث الإرهابى ودمويته، وفتح صفحة جديدة فى العلاقات بين البلدين.
وقد أثار القرار الروسى ردود فعل كثيرة، خاصة فى مصر، فقد أعلن المستثمرون فى قطاع السياحة عن صدمتهم من هذا القرار وصرّحوا: «إن توقيت إعلانه يثير العديد من علامات الاستفهام، ويؤكد تعامل موسكو بسياسة الكيل بمكيالين».
فى حين لفت نظرى تعليق ذكى بعيد عن لغة الهتافات السائدة لمستثمر مصرى آخر، وهو هشام على، حين قال فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»: «إن قرار الرئيس بوتين بإعادة الحركة السياحية لأنقرة فى ظل الأعمال الإرهابية التى شهدتها إسطنبول، أمس، يعكس ثقة موسكو فى تركيا، ويمنحها قوة لاستعادة ثقة العالم فى عودة السائحين لزيارتها»، وأضاف: «علينا إعادة الحسابات والتحرك على الصعيد السياسى لتحديد الأسباب الحقيقية خلف وقف السياحة الروسية لمصر منذ أكتوبر الماضى، برغم العلاقات الوطيدة بين القاهرة وموسكو إلا أنها لم تكن كافية لاتخاذ قرار بعودة السياح الروس، مثلما حدث مع تركيا».
والحقيقة أن الفارق بين تعامل روسيا مع الحالتين واضح ولا يحتاج لتعليق، وهو فى الحقيقة يعكس نجاح تركيا، حتى فى طبعتها السلطوية ومع تقلبات أردوجان وفى عز خلافاتها مع روسيا، أن تحتفظ بقدرة على التأثير الكبير فى علاقتها مع القوى الكبرى، فهى أولًا واحدة من كبرى 10 اقتصاديات فى العالم ومازالت تحافظ على معدل نمو اقتصادى مرتفع وحققت إصلاحات اقتصادية كبيرة، ومازال العالم يثق فيها كدولة مسؤولة وجادة رغم شطط أردوجان واعتدائه المتكرر على الديمقراطية.
صحيح أن تركيا استثمرت ماضيها الإمبراطورى فى تسويق نفسها باعتبارها شريكًا للغرب ولروسيا فى اقتسام العالم، إلا أنها فى النهاية لم ترتكن على هذا الماضى، إنما تعاملت مع العالم باعتبارها جزءًا منه وليست عجبة متفردة، وأيضاً جزءًا من قيمة العامة والإنسانية من ديمقراطية وحقوق إنسان (حتى لو لم تطبقهما تماماً) ورشادة وجدية.
المنظومة العالمية بتحيزاتها لن تواجهها أى دولة بشتمها كل يوم ولا بحديث المؤامرة، إنما بامتلاك القدرة على بناء خطاب سياسى قادر على التفاعل النقدى معها يؤثر فيها ويتأثر بها، أما الكلام الفارغ والعزلة عن العالم بخطاب بدائى لا معارض ولا مؤيد سيجعل العالم يكيل بمكيالين ضدك وسيغمض عينه عما جرى فى مطار أتاتورك، ويفتحها بمائة عدسة ليكبر ما جرى فى مطار شرم الشيخ.