وماذا عن بناء الدولة

وماذا عن بناء الدولة؟

وماذا عن بناء الدولة؟

 العرب اليوم -

وماذا عن بناء الدولة

بقلم :عمرو الشوبكي

ما بين دعوة الإعلام إلى نشر فوبيا ضد إسقاط الدولة، والحديث عن أننا نعيش فى شبه دولة، غاب النقاش حول بناء الدولة، وكيف يمكن أن نتجاوز خطاب التخويف وعدم الوضوح وصناعة أعداء وهميين وأخطار ليست حقيقية، لصالح خطاب أكثر وضوحا يميز بين مَن هم خصوم النظام أو مخالفوه فى الرأى وبين أعداء الدولة والمتآمرين، ويحدد الإنجازات التى تمت دون مبالغة وحجم الصعوبات حتى يمكن مواجهتها ودرجة الإخفاقات حتى يمكن تصحيحها.

خطورة خطاب «فوبيا الدولة» ترجع فى الحقيقة إلى أن المفهوم نفسه لا يساعد فى حل المشاكل الحقيقية التى تواجهها مصر، وتتعلق من جانب بحال الدولة نفسها، والذى سبق أن وصفه الرئيس السيسى بـ«شبه دولة»، بما يعنى أن مشاكل الدولة أساسا من داخلها وترجع إلى سوء أدائها وترهل مؤسساتها، وأن الحفاظ عليها لن يتم بتخويف الناس من سقوطها، إنما بإصلاحها وتطويرها بخطط وتصورات ورؤية حتى تصبح قادرة على مواجهة التحديات، فلماذا إذن الفوبيا والتخويف؟

أما الجانب أو الخطر الثانى والأهم لخطاب «الفوبيا» فهو عدم وضوحه، فهو يحمل معانى غير محددة وفضفاضة، تدفع مدرسة من الإعلاميين وأشباه السياسيين والمطبلين إلى تحويل أى نوايا إيجابية وراء هذه الجملة- (كالحفاظ على مؤسسات الدولة، والوقوف صفا واحدا فى مواجهة الإرهاب وأى مؤامرة خارجية)- إلى مجال للصراخ والتواطؤ الفج مع أى تجاوزات أو جرائم، على اعتبار أن فتحها سيعنى تهديدا للدولة، وتصبح عملية مداهنة الفساد وسوء الأداء وإهدار دولة القانون من مسوغات فوبيا الحفاظ على الدولة لدى البعض.

نعم من حق الرئيس أن يقول إن هناك تهديدات تجرى حولنا، وإن هناك بلادا سقطت فيها الدولة، وعرفت فوضى وإرهابا، فهو ليس درسا فى الماضى إنما هو فى عز الحاضر، ولكن طريق الحفاظ على الدولة ليس بنشر الفوبيا، إنما بإصلاح مؤسساتها ونشر العدل والحفاظ على تماسك المجتمع ووقف انزلاقه نحو العنف والمواجهات الأهلية.

الحديث الدائم عن الدولة أدى إلى نسيان المجتمع، فالدولة لا يمكن أن تقوم على أنقاض الشعب أو بتجاهله، فهى لا تحرس نفسها ولا تقوم من أجل العاملين فيها أو للحفاظ على مصالح مؤسساتها، إنما من أجل حماية الشعب وخدمته، فالمجتمع المصرى يعانى انقساما ويعانى أزمة اقتصادية ويعانى غيابا للعدالة وإهدارا لدولة القانون، ويعانى من برلمان وصفه الأستاذ محمد سلماوى بأنه «الأسوأ فى تاريخ مصر»، ويعانى قهر بعض المؤسسات للمواطنين، حتى فهم البعض خطاب الرئيس على أنه شيك على بياض لهذه المؤسسات لتفعل بالشعب ما تريد.

إن الحفاظ على الدولة ليس فقط بمواجهة الأخطار الخارجية والمؤامرات، إنما أيضا بمواجهة سوء الأداء وانعدام الكفاءة وغياب المحاسبة، فلم تسقط دولة واحدة تنجز فى أى مجال، حتى لو فقط فى المجال الاقتصادى، إنما كل الدول التى سقطت عانت نظما استبدادية فى السياسة، وفاشلة فى الاقتصاد، ومنقسمة مجتمعيا، على عكس تجارب النظم الديمقراطية، فكثير منها تقدم فى كل المجالات، وبعضها يعانى أزمات سياسية واقتصادية، ولكن الدولة فيها غير مُهدَّدة، وهناك نظم تعددية مقيدة لا تعرف ديمقراطية كاملة، وتعانى أيضا مشكلات، ولكن الدولة فيها غير مُهدَّدة، رغم التعثرات والتحديات الكبيرة، وهناك دول لا تعرف من الأصل الديمقراطية، ولكنها تعرف قانونا ينظم كل شىء، ويُضفى قواعد حتى على الاستبداد، ويُعرِّف كل مواطن أين خطوطه الحمراء، وبالتالى ظلت الدولة راسخة.

كل هذه التجارب تعرف نظما سياسية يختلف حولها الناس، ولكن جميعها الدولة فيها غير مُهدَّدة وغير وارد سقوطها، ومؤسسات الدولة- أى الجيش والشرطة والقضاء والإدارة- تعانى مشاكل، لكنها غير مُهدَّدة بالسقوط أو الانقسام، ولا يتحدث فيها أحد عن فوبيا للحفاظ على الدولة، إنما عن خصوم محددين وعن أعداء وعن تحديات وخطط للعمل والمواجهة.

من المهم مراجعة هذا الخطاب السياسى الضّارّ بالدولة والمجتمع، خاصة أنه اتضح فى المؤتمر الأخير للشباب بالإسكندرية استيعاب الرئيس نوعية من الأسئلة المطالِبة بضرورة رفع الرواتب أو حديث عن سوئها، وهو ما سبق أن الرئيس لم يتقبله بحدة فى دمياط، بما يعنى أن هناك مراجعة فى أساليب التواصل واستيعاب الناس، ولا أفهم سببا واحدا فى عدم مراجعة مضمون الخطاب السياسى، ويحصل فى كل مرة، وبالمجان، على خصوم ومعارضين، قد يكون بعضهم متفقا على جوهر خيارات النظام ويختلف فى التفاصيل.

صحيح سيبقى هناك تيار ليس بالقليل معترض على جوهر سياسات الحكم وليس فقط على التفاصيل أو على الشكل والإخراج، وأن التعامل معه يجب أن تحكمه رؤية سياسية وفق الدستور والقانون وليس فقط الرؤية الأمنية السائدة.

لم يعد يسمع الناس كثيرا عن برنامج واضح لإعادة بناء الدولة بعيدا عن حديث المشاريع الاقتصادية الكبرى المثيرة للجدل، فإعادة بناء الدولة تعنى إصلاح مؤسساتها وخضوعها للرقابة والمحاسبة، لا أن تصبح أجهزة الدولة فوق قوانين الدولة نفسها وفوق المجتمع، ثم نطالب الإعلام بالتحريض على مَن يعارض سوء أدائها.

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وماذا عن بناء الدولة وماذا عن بناء الدولة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab