بقلم - عمرو الشوبكي
مازالت الحرب التى أشعلتها روسيا فى أوكرانيا تحترم الخطوط الحمراء التى وُضعت فى إدارة الصراع مع الغرب. فحلف الناتو والولايات المتحدة لن يدخلا حربًا من أجل أوكرانيا، ولكنهما سيدعمانها وسيفرضان عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، وهنا سنلاحظ أن قادة الغرب لم يطبقوا حظرًا جويًا لمنع الطائرات الروسية من دخول الأراضى الأوكرانية، كما فعلوا فى العراق، وحتى الطائرات الروسية الموجودة فى بولندا وألحت أوكرانيا فى الحصول عليها، تراجعت القوى الغربية عن تنفيذ هذا الطلب بعد أن أعلنت روسيا أنها ستعتبره عملًا عدائيًا ضدها.
بالمقابل، لم تتجاوز روسيا الخط الأحمر بالمساس بدول حلف الناتو، فضربت قاعدة أوكرانية على بعد أمتار قليلة من الحدود البولندية، دون أن تستهدفها لأنها عضو فى حلف الناتو، وهو ما سيُعتبر عملًا عدائيًا موجهًا لكل أعضائه.
وجاء تصريح الرئيس الأمريكى من بولندا ليؤكد على هذا التوجه، فقد قال مخاطبًا الروس: «لا تفكروا فى التقدم بوصة واحدة فى داخل أراضى الأطلسى»، وهو تصريح للتذكير، ولكن عمليًا مازالت روسيا ملتزمة به بصرف النظر عن تصريحات بايدن الإعلامية.
ورغم كراهية بوتين لدول البلطيق التى كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتى السابق، وأصبحت جزءًا من الاتحاد الأوربى وحلف الناتو، إلا أنه لم يفكر فى غزوها لأنها أصبحت محمية من الحلف، وسيعتبر أى هجوم عليها استهدافًا له.
المعارك تدور بشراسة بين قوتين تمتلكان أوراق قوة، وكلتاهما حتى اللحظة تلتزم بالخطوط الحمراء فى إدارة الصراع، دون أن يعنى ذلك انعدام مخاطر المواجهة بينهما، فكثير من الحروب التى شهدها العالم لم يكن هناك قرار استراتيجى باندلاعها، ولكنّ أحداثًا غير متوقعة وربما أخطاء فى الحسابات أدت إلى اندلاعها.
صحيح أن فى «العصر النووى» وعصر أسلحة الدمار الشامل باتت القوى العظمى تحسب «بالملليمتر» خطواتها العسكرية، ما يجعل هناك صعوبة شديدة فى اندلاع حرب «غير مقصودة» ودون أن يعنى ذلك انعدامها.
القواعد التى تحكم الصراع بين القوى العظمى الثلاث (أمريكا والصين وروسيا) صارمة، خاصة بين روسيا وأمريكا، فهى لها جذور منذ أزمة الخنازير فى 1962 حين تراجعت روسيا عن نشر صواريخ نووية فى كوبا قرب الحدود الأمريكية لأن الأخيرة اعتبرت ذلك ضربًا لهذه القواعد والخطوط الحمراء.
هناك صراع قاسٍ عسكرى واقتصادى يدور بين روسيا والقوى الغربية ساحته أوكرانيا، التى تحصل على دعم عسكرى غير كامل من الغرب، ونالت دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا وإنسانيًا كاملًا، دون أن يعنى ذلك استعداد الغرب للتورط فى مواجهة عسكرية مع روسيا، التزامًا بالخطوط الحمراء التى وُضعت فقط لدول الناتو، وبدورها لم تخترقها روسيا.
لن ينتهى الشهر القادم إلا وستكون الحرب قد توقفت، ومازالت فرص روسيا فى تحقيق أهدافها بحياد أوكرانيا راجحة رغم العقوبات الاقتصادية الغربية والصمود الأوكرانى