بقلم - عمرو الشوبكي
أخطر ما يمكن أن يواجه مجتمعًا من المجتمعات هو التعايش مع أزماته دون أى مراجعة أو تصحيح للأخطاء، وأخشى أن يصبح الوضع فى السودان أقرب إلى تجارب مأزومة، بعد أن اقترب عمر الأزمة السياسية من عام كامل، منذ أن قرر الفريق برهان الإطاحة برئيس الحكومة عبدالله حمدوك ثم عودته مرة أخرى ثم استقالته.
ومنذ ذلك التاريخ والبلاد تشهد مظاهرات احتجاجية فى مواجهة المجلس العسكرى آخرها ما جرى منذ عدة أيام وسقط فيها قتيل واحد، وهى احتجاجات تزيد وتخفت دون القدرة على تغيير المعادلات القائمة.
إن اعتماد القوى الاحتجاجية والثورية على مظاهرات واحتجاجات الشارع كورقة ضغط شبه وحيدة على المجلس العسكرى ورفض التفاوض معه مَثّل أحد أسباب استمرار الأزمة لأنه يختزل طاقة التغيير فى الاحتجاج والرفض وليس البناء المؤسَّسى وتقديم البدائل للحكم الحالى.
ولو افترضنا أن الاحتجاجات الحالية نجحت فى إسقاط حكم المجلس العسكرى، فهل ستستطيع تقديم بديل للفراغ الذى ستُحدثه فى ظل الانقسام الحادث داخل القوى المدنية والثورية؟. الإجابة بالقطع لا.
إن السؤال الذى يجب أن تطرحه قوى التغيير فى السودان يجب أن ينطلق من أسباب عدم استمرار الحكم المدنى إلا 15 عامًا منذ استقلال البلاد عام 1956 حتى الآن، ولماذا كان يستمر الحكم العسكرى عقودًا والمدنى لسنوات رغم الثقافة المدنية العميقة والوعى السياسى الكبير الذى يتمتع به الشعب السودانى؟.
والحقيقة أن المشاهد الملهمة لخروج الجماهير إلى الشوارع وتضحياتها من أجل نَيْل حريتها وكرامتها تمثل نصف الطريق نحو بناء نظام جديد، ولا تضمن فى ذاتها الوصول إليه ما لم تكن هناك مؤسسات سياسية قادرة على الحكم والإدارة، وليس فقط أو أساسًا جماعات ثورية قادرة على الرفض وعاجزة عن البناء.
والحقيقة أن مشاهد السودان الحالية تقول إن هناك قوى احتجاجية تتظاهر ضد حكم المجلس العسكرى وتطالب بحكم مدنى، وفى نفس الوقت هناك مكون عسكرى يعرف تباينات داخلية وغير قادر على الحكم بمفرده، وبدلًا من أن تصل القوى المدنية والمجلس العسكرى إلى نقطة تفاهم يستمر كل طرف فى استخدام أدوات قوته للضغط على الآخر، ويتناسى أن السودان بلد متنوع ومنقسم فى نفس الوقت مناطقيًّا وقبليًّا وبه قوى تقليدية مؤثرة وقوى مدنية وسياسية حديثة مؤثرة أيضًا، كما أن فيه مجلسًا عسكريًّا يضم الجيش السودانى ومعه قوات الدعم السريع، وهو وضع غير موجود فى الجيوش الوطنية المحترفة، ويُعد من إرث النظام السابق، ويجب أن يتكاتف الجميع بالتوافق على تجاوزه. لكى يتعايش السودان مع أزماته، مطلوب أن يُنهى المرحلة الانتقالية فى أقرب وقت، وأن تتوافق مكوناته الرئيسية على رجل/ مشروع جسر يقود البلاد فى السنوات القادمة بدلًا من توازن الضعف الهشّ الذى يخيم على المرحلة الحالية.