بقلم:عمرو الشوبكي
تفجرت فى الساحل السورى ذى الأغلبية العلوية أحداث عنف ومواجهات مسلحة فى أعقاب قيام عناصر تابعة للنظام السابق بقتل مئات من عناصر الأمن العام، أعقبه قيام قوات الجيش والأمن بإرسال تعزيزات كبيرة إلى هذه المناطق، وجرى استهداف وقتل عشرات المدنيين الأبرياء، فى مشهد مؤلم فتح الباب أمام أخطار كثيرة تواجه المسار الانتقالى الحالى.
ورغم اعتراف الرئيس السورى بوجود انتهاكات وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاسبة المتورطين فيها، ورغم أن هذا المسار لم يمارسه نظام بشار مع معارضيه من كل الاتجاهات، فإن هذا لا يعنى أن النظام الجديد قادر على بناء دولة القانون وطمأنة باقى مكونات الشعب السورى، ولا مواجهة المتربصين به خارجيًّا من إيران إلى إسرائيل، وهو يحتاج لأداء مختلف ومنظومة سياسية تستوعب الجميع بالتوازى مع بناء مؤسسات دولة على أسس وطنية لا أن تكون مجرد امتداد للفصائل العقائدية المسلحة فتبنى دولة التنظيم والطائفة لا دولة المواطنة.
والحقيقة أن المجتمع السورى قدم وعيًا كبيرًا فى التعامل مع التحديات التى تواجهها التجربة الانتقالية والنظام الجديد، وهذا راجع ليس فقط إلى إرث سوريا الحضارى وتاريخها العريق، إنما أيضًا إلى كون السوريين دفعوا «فاتورة» الدم والتضحيات من أجل التحرر من نظام الأسد وحلفائه المحتلين قبل نجاح ثورتهم، على عكس كثير من تجارب التغيير العربية التى دفعت فيها الشعوب التضحيات الكبرى بعد ثوراتها أو انتفاضاتها.
ومن هنا فإن هناك توافقًا تلقائيًّا فى سوريا بأنه لا يجب العودة بأى شكل إلى النظام السابق، وأنه حتى داخل مدن الساحل لم يستطع أن يحصل فلول بشار على تأييد أغلب الناس، وأن الداعم الأول لتجربة أو لفرصة أحمد الشرع هو جرائم بشار ونظامه، وأن التوحد المجتمعى خلف أى بديل لهذا النظام سيعطيه قوة دفع لبعض الوقت، ولكنه لن يحميه من أخطار كثيرة ومن أى أخطاء يقع فيها.
من حق النظام الجديد أن يواجه أى تمرد أو اعتداء على أجهزته ومؤسساته الناشئة بالقوة المطلوبة، ولكن ليس من حقه أن يواجه مدنيين عزل بالسلاح، كما أنه مُطالَب بأن يؤسس آلية لدمج كل المكونات فى منظومة سياسية واقتصادية عادلة، وأن يسعى لجذب العلويين لصالح المسار السياسى الجديد، خاصة أن كثيرين منهم عارضوا بشار الأسد، ومع ذلك لم يبذل النظام الجديد بحكم تركيبة فصائله العقائدية الجهد المطلوب من أجل التمييز بين مرتكبى الجرائم فى حق الشعب السورى وبين طائفة عريضة أعدادها بالملايين.
لا يجب محاسبة النظام الجديد وفق معايير سويدية، إنما يجب أن يحاسب على ضرورة تأسيس دولة مدنية وليس دينية، وأن يكون فيها احترام لكرامة الإنسان وطى صفحة التعذيب والقتل، ويصبح الحد الأدنى المطلوب احترام الهامش السياسى الذى تعرفه أو عرفته كثير من الدول العربية.