بقلم : عمرو الشوبكي
لا أحد يختلف على وضوح الموقف الرسمى المعلن من رفض قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، ولا أحد سيتجاهل الموقف الشعبى المصرى الرافض قضية التهجير، والذى عبر عنه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعى وفى مؤتمرات النقابات المهنية.
والحقيقة أن تحدى التهجير يجب عدم التعامل معه بخفة؛ لأنه قادم أولًا من رئيس أكبر دولة فى العالم، وثانيًا أن هذا الرئيس قادم من عالم المال والأعمال، وبالتالى هو يُسقط الاعتبارات السياسية من خياراته، ويتصور أن مشكلة إسرائيل ترجع إلى وجود «الأشرار الفلسطينيين»، وأن حل مشكلتهم ومشكلتها سيكون بترحيلهم أو ترحيل جانب منهم إلى بلاد مجاورة وتعويضهم بالمال، وهو بذلك يتصور أن المشكلة مالية تتعلق بالفقر والعوز وليس الكرامة والحرية.
علينا ألا نندهش من حديث ترامب الأخير عن تهجير مليون ونصف المليون فلسطينى إلى مصر والأردن؛ لأنه سبق أن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وقال إن مساحة إسرائيل محدودة ويجب أن تتسع أكثر، فى موافقة ضمنية على احتلال الضفة الغربية وغزة، بما يعنى العودة إلى مشروع تهجير الفلسطينيين.
من المؤكد أن الصمود الفلسطينى هو العنصر الأساسى فى إفشال مخططات التهجير، أما الموقف الأردنى والمصرى، فالأول اتخذ موقفًا حاسمًا من هذه القضية؛ لأنها تمثل تهديدًا وجوديًّا لكيانه فى ظل تحدٍّ ديمغرافى وتوازن دقيق بين الأردنيين والفلسطينيين، بالإضافة إلى أن التحدى الأكبر للأردن سيبقى أساسًا بحكم الجوار الجغرافى يتعلق بتهجير سكان الضفة الغربية وليس غزة.
أما رد الفعل المصرى على مقترحات ترامب، فقد قوبل على المستويين الشعبى والرسمى برفض كامل، ولكن طرق التعبير عن هذا الرفض يجب ألا تكتفى فقط بالحديث عن الاصطفاف الوطنى أو السماح للنقابات بالتحرك وإعلان رفضها مخططات التهجير، وهى كلها تحركات إيجابية، إنما يجب أيضًا أن تراجع الأداء الاقتصادى؛ لأن ترامب تحدث عن المساعدات التى تتلقاها مصر ويعرف مشاكلها الاقتصادية، وبالتالى سيصبح المدخل «الترامبى» فى التعامل مع هذه القضية ماليًّا بالأساس.
إن التحدى الحقيقى الذى تواجهه مصر يتعلق بقدرتها فى ظل الخيارات الحالية على تسديد ديونها، خاصة بعد تزايد قيمة الديون على الحكومة المصرية.
وبالتالى فإن ترامب البراجماتى والتاجر يتصور أن عملية تهجير الفلسطينيين فى مقابل دفع أموال لمصر سيفيدها؛ لأنها تعانى مشاكل اقتصادية، وتجاهل كل الاعتبارات المعنوية والتاريخية وسطوة الاحتلال وقيمة الكفاح من أجل الحرية التى تشكل جوهر القضية الفلسطينية.
مواجهة تحدى التهجير يجب أن تكون بتعديل جذرى فى الأداء الاقتصادى وتحصين المناعة الداخلية بهامش سياسى حقيقى يعطى للجميع حقهم فى حرية التعبير تحت سقف الدستور والقانون.