بقلم:عمرو الشوبكي
لا تريد إسرائيل استكمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار والذهاب إلى المرحلة الثانية، التى ستمثل بشكل عملى نهاية الحرب، وقد صُلِّب موقفها بدعم إدارة ترامب المطلق لها، والداعى لاجتثاث حماس وتهديدها كل يوم بأنه إذا لم تُفرج عن الرهائن الإسرائيليين، فستفتح فى وجهها «أبواب الجحيم».
يقينًا، إدارة ترامب ساعدت إسرائيل المتطرفة على مزيد من التطرف، وباتت كل يوم تضع شروطًا جديدة أمام تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، خاصةً أنها تيقنت أنها فى وضع «القوة الغاشمة»، الذى يعمل على فرض شروطه بالقوة المسلحة بدعم أمريكى، فى ظل ضعف عربى وانقسام فلسطينى.
واللافت أن تعثر الهدنة الحالية لن يُلغى، فى حال تطبيقها، طرح تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية وحركة حماس، أبرزها أن الحركة أُضعفت عسكريًا بصورة كبيرة، وفقدت الجانب الأكبر من قدراتها العسكرية، ولكن إسرائيل فشلت فى القضاء عليها، ولم تنتهِ سياسيًا، حتى لو فقدت جانبًا من حاضنتها الشعبية، لكنها ما زالت تتمتع بجانب آخر.
من المؤكد أن حماس لن تدير غزة بعد أى صيغة لوقف إطلاق النار، وستظل مستبعدة من الترتيبات السياسية لإدارة القطاع، ولكن لا يمكن استبعادها من المشهد السياسى الفلسطينى، حتى لو أُضعفت قدراتها العسكرية، وباتت جيوبها المتبقية غير قادرة على القيام بأى عمليات مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلى، وهو وضع قد يمثل بديلًا للطلب الإسرائيلى بنزع سلاح حماس ورفع «الراية البيضاء».
وقد قدمت مصر مقترحًا بأسماء ١٥ شخصية فلسطينية مستقلة لإدارة غزة، لن يكون بينهم أحد من حركة حماس أو من فتح، وسيبقى التحدى فى إمكانية أن تصبح هذه الإدارة معبرًا للحل السياسى واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، أم أنها ستبقى فى إطار «الإسناد المدني»، كما تؤكد الحكومة الإسرائيلية وترفض أى أفق للحل السياسى؟.
مشروع نتنياهو وخطابه المعلن يرفضان حل الدولتين، ويعتبر أن اتفاق أوسلو، الذى مثل اتفاق السلام الوحيد بين الجانب الفلسطينى والإسرائيلى، هو سبب عملية ٧ أكتوبر، كما أعلن رفضه عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة، واعتبر أن فتح وحماس وجهان لعملة واحدة، وأنه يرفض حكم «فتحستان» و«حمستان»، معتبرًا إياهما وجهين للتطرف والإرهاب، فى حين أن العالم والأمم المتحدة والشعب الفلسطينى يرغبون فى أن يكون وقف إطلاق النار هو بداية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وبناء دولته المستقلة، فى حين أن الغطرسة الإسرائيلية، التى عبَّر عنها نتنياهو، ترفض بشكل مطلق هذه الحلول.
لا يمكن الحديث عن مسار سياسى دون ظهور قيادة فلسطينية جديدة تكون قادرة على تجاوز الانقسام بين فتح وحماس، واستعادة طريق المقاومة السلمية والقانونية والنضال الشعبى، الذى يجب أن يتقدم الصفوف على حساب المقاومة المسلحة، فى معركة طويلة بدايتها هى وقف إطلاق النار.