بقلم:عمرو الشوبكي
تحركت أوروبا عقب التلاسن الحاد الذى جرى فى البيت الأبيض بين ترامب وزيلنسكى، والإهانات التى وجهها الأول للرئيس الأوكرانى، وعقد رئيس الوزراء البريطانى قمة فى لندن ضمت زعماء ١٥ دولة أوروبية، أبرزهم قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، وتم فيها الإعلان عن استمرار دعم أوكرانيا ماديا وعسكريا وسياسيا، وعرض خطة جديدة للسلام على الولايات المتحدة تعطى ضمانات أمنية لأوكرانيا وتضمن عدم قيام روسيا بهجوم جديد.
والحقيقة أن أوروبا ردت على ترامب على مستوى الخطاب المعلن، وتبارى قادة الاتحاد الأوروبى فى الحديث عن ضرورة أن تبنى أوروبا قوتها المسلحة، وطالب ماكرون بنشر قوات أوروبية فى أوكرانيا، ولم ينس مطالبة أمريكا بدعمها، كما أعلن رئيس الوزراء البريطانى (الذى انسحبت بلاده من الاتحاد الأوروبى) أثناء قمة لندن أن أوروبا تعيش لحظة أمنية لا تحدث إلا مرة واحدة كل جيل. ويبقى السؤال هل تستطيع أن تبنى أوروبا قوة عسكرية مستقلة عن أمريكا وتكون قادرة على مواجهة أى تهديدات تتعرض لها القارة الأوروبية؟.
إن الإجابة مازالت تقول إن هناك صعوبات كبيرة فى الوصول لهذا الهدف الذى أعلنته أوروبا منذ عهد الجنرال ديجول فى فرنسا، فرغم أن أوروبا دعمت أوكرانيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا إلا أن هذا الدعم تفاوت فى مضمونه من بلد إلى آخر، حتى إن بلدا مثل المجر ظلت محتفظة بموقفها الداعى للحوار مع روسيا وهو موقف قريب من موقف ترامب الحالى.
لقد شهد الاتحاد الأوروبى انقساما بين دوله حول حدود دعم أوكرانيا والعلاقة مع روسيا وانضمام أوكرانيا للاتحاد بعد «وحدة صف نادرة» فى بداية العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، فقد أعلنت المجر رفضها لانضمام أوكرانيا، ومعها دول أخرى رفضتها «فى سرها» مما دفع الاتحاد الأوروبى لإدخال الطلب الأوكرانى لعضوية الاتحاد إلى المسار البيروقراطى المعتاد و«مصفاة» المعايير المعقدة التى جرت من قبل مع ٢٧ دولة أوروبية، ويبدأ بالحصول على «حالة المرشح» ثم بدء مفاوضات رسمية بالتناوب مع أوكرانيا لمناقشة انضمامها إلى الاتحاد تختتم بالتوقيع على كل فصل من الفصول الـ ٣٠ الخاصة بالانضمام إلى الاتحاد، ثم أخيرا التوصل إلى قرار سياسى أوروبى بشأن التوقيع على الاتفاقية كلها.
لقد اختارت أوروبا أن تسير فى المسار الروتينى المعتاد وهى تعلم أنه يأخذ سنوات طويلة ولم تسع لتحويل الضم إلى قضية أو أداة جيوسياسية تتطلب قرارات فورية بخصوص مستقبل أوكرانيا لأن هذا يتطلب وحدة فى القرار السياسى الأوروبى غير موجودة.
إن مشكلة الأداء الأوروبى أنه يرفض توجهات ترامب بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنه غير قادر على بناء بديل فعال لهذه التوجهات، لأنه لا يمتلك سياسة أوروبية خارجية واحدة ولا توجد نفس الرغبة بين أعضائه لبناء قدرات عسكرية أوروبية مستقلة عن أمريكا.