بقلم : عمرو الشوبكي
النقاش حول دور الفواعل من خارج الدولة فى العالم العربى نقاش مستمر منذ عقود، وزادت حدته فى الأشهر الأخيرة مع النقاش الذى يجرى حول تقييم حركة حماس وحزب الله.
والحقيقة كما أشار عمرو موسى فى حواره المهم فى «المصرى اليوم» حول نظرته إلى دور «الفواعل من غير الدول»، خاصة «حماس وحزب الله»، واعتبر أنه لولا السياسات الإسرائيلية والطريقة الخطيرة التى أدير بها احتلال الأراضى العربية، والتوسع فى فلسطين وسوريا ولبنان.. لما ظهرت حماس ولا ربما حزب الله.
ما حدث فى الأراضى المحتلة من تدمير للقرى، وطرد للسكان، وعدم تسامح دينى، وسياسة دموية وتحقيرية مهينة للمواطن الفلسطينى، ومن ثم المواطن العربى، مسؤول عن وجود الفواعل من غير الدول، ولولا مخططات إسرائيل لما وجدت هذه التحركات. منطق الأمور أنه ما دام الاحتلال قائمًا استمرت المقاومة، وهذا منطق التاريخ.
والحقيقة أن هذه الإجابة فى مجملها صحيحة مع تعديل كلمة واحدة فى صياغتها، بوضع «انتشارها» محل «وجودها»؛ أى أن الاحتلال مسؤول عن قيام هذه الحركات بعمليات المقاومة المسلحة وامتلاكها حاضنة شعبية واسعة، ولكن وجودها يرجع بالأساس لاعتبارات عقائدية ستجعلها موجودة بأشكال مختلفة قبل وبعد الاحتلال.
إن وجود هذه التيارات يرجع بالأساس لأسباب فكرية وعقائدية، ولكن خياراتها بين العنف والعمل السلمى وانتشارها وتزايد تأثيرها ترجع لأسباب سياسية واجتماعية، ومن هنا يصبح وجود الاحتلال فى غزة السبب الرئيسى وراء تبنى حماس وغيرها خيار المقاومة المسلحة والقيام بعملية ٧ أكتوبر.
والحقيقة أن النقاش حول مستقبل الفواعل من خارج الدولة، خاصة بالنسبة لحركة حماس، يرتبط أيضًا بنقاش آخر حول مستقبل تيارات الإسلام السياسى. وهل صمود حماس أو حضورها، ولو سياسيًّا، فى اليوم التالى لإدارة قطاع غزة سيعطى شعبية للتيارات الإسلامية فى المنطقة العربية؟
الحقيقة أن تجربة حماس، حتى لو بقى جانب من قوتها التنظيمية كامنًا، فإنه لن يؤدى إلى إحياء جديد لتيارات الإسلام السياسى؛ لأن نموذج حماس يعتمد أساسًا على مشروع المقاومة، رغم أن هناك من لا يتفق مع أدواتها وأساليبها فى المقاومة، إلا أن الخلاف يتسع إذا انتقلنا من النقاش حول المقاومة إلى نموذج الحكم والإدارة.
إن المجتمعات العربية التى تدعم فى مجملها خيار المقاومة فى فلسطين المحتلة لا تبحث فى بلادها عن مشروع مقاومة، إنما نموذج حكم رشيد ودولة القانون وتنمية وعدالة اجتماعية.. وهى كلها قضايا لم تنجح فيها حماس ولم تهتم بها ولم تكن ضمن أولوياتها.
الفواعل من خارج الدولة لها جانب عقائدى، وجانب سياسى، والتعامل معها سيكون بالفكر والسياسة معًا، وأن على خلاف ما تروج له إسرائيل بأنها قضت أو ستقضى عليها، فإن قوتها ستتزايد فى الفترة القادمة بسبب السياسات العدوانية لدولة الاحتلال المحصنة أمريكيًّا ودوليًّا.