المسار البائس

المسار البائس

المسار البائس

 العرب اليوم -

المسار البائس

بقلم : عمرو الشوبكي

محنة تيران وصنافير لا تتعلق فقط بالتنازل عن جزء من الأراضى المصرية لدولة عربية شقيقة دون وجود أدلة راجحة تثبت ملكيتها للسعودية، فى حين أن مصر مارست حق السيادة والإدارة لعقود طويلة على هذه الأرض وتمتلك أدلة ووثائق راجحة تقول إنها مصرية.

والمؤكد أن النقاش حول حق السيادة على الجزيرتين محسوم لصالح مصر، وأن الحجج الحكومية التى اطلعت عليها ووزعتها على البرلمان باهتة وغير مقنعة وتحتاج لأشخاص مسيرين لا مخيرين لكى يقبلوها.

والحقيقة أن حالة الاستقطاب التى خلقتها منذ اليوم الأول قضية تيران وصنافير داخل المجتمع، وحملات التخوين المتبادلة ترجع إلى الإدارة الحكومية الكارثية لقضية الجزر وإدخال البلاد فى مسار شديد البؤس أوصلنا فى النهاية لوضع خطر معرض للتفاقم فى ظل حالة استعلاء رسمى وتجاهل للرأى العام ولحساسية القضية أوصلنا فى النهاية إلى مشهد خطر ومشتعل.

ولعل البداية كانت فى توقيت الإعلان عن ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وفى أعقاب زيارة الملك سلمان للقاهرة العام الماضى، وإعلانه تقديم دعم مالى واقتصادى لمصر، حتى بدا الأمر وكأن مصر قررت تسليم الجزيرتين للسعودية فى مقابل حصولها على مساعدات اقتصادية.

من المسؤول عن هذا الإخراج؟ كيف يمكن التعامل مع قضية حساسة مثل قضية الأرض وكأنها أمر عسكرى تقرر فيه الدولة فى يوم وليلة أن تصبح سعودية فوجب التنفيذ؟! وطالما اقتنع الرئيس أنها سعودية فانتهى الأمر، فليس مهما أن يقنع الشعب أو الرأى العام أو حتى السماح للآخرين بأن يتحاوروا حول القضية، فهى كلها أمور ثانوية غير مطلوبة.

وقد جمعنى، أمس الأول، لقاء مع عمرو موسى ذكر فيه الرجل أن قضية الجزيرتين تحتاج لسنوات طويلة (ذكر 5 سنوات) تقدم فيها وثائق وتدار جلسات حوار بين البلدين حتى يحسم مصيرهما، لا أن تحسم فى 5 أيام هى مدة زيارة الملك سلمان لمصر، ولم تبتعد مداخله أحمد شفيق التليفونية عن هذا المعنى، حين طالب باستفتاء شعبى وأعلن صدمته من سوء الأداء والتخبط الرسمى.

أما المحطة الثانية فى مسارنا البائس فهى هذا الانهيار فى أداء ليس فقط الحكومة إنما فى كل أركان النظام السياسى، فكيف يمكن التعامل مع حكم قضائى من المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين بهذا الاستخفاف؟ بدءا من تجاهله من قبل السلطة التنفيذية، وانتهاء بوصف رئيس السلطة التشريعية بأنه والعدم سواء، فى موقف صادم وغير مسبوق فى سوئه (اعتاد رئيس البرلمان عدم تنفيذ أحكام القضاء من محكمة النقض حتى القضاء الإدارى، ولايزال يتصور أنه لن يُحاسب)!!.

والحقيقة أن الكارثة ليست فقط فى تجاهل حكم قضائى من مجلس الدولة، إنما فى طريقة تعامل الحكومة مع المسار القضائى فى قضية الجزيرتين، فقد طعنت على الحكم معلنة اعترافها بولاية القضاء الإدارى، ولكنها كما قالت المحكمة، وبإجماع الآراء، لم تقدم أى وثيقة تغير الأسباب التى دفعت المحكمة للحكم ببطلان الاتفاقية ومصرية الجزيرتين.

فهل هناك حكومة تحضر كمتفرج فى قضية حساسة من هذا النوع؟ وهل لهذه الدرجة تتعامل باستهانة واستخفاف مع أحكام القضاء ودولة القانون وتعتبرها هى والعدم سواء، أم أنها من الأصل لا تمتلك أى وثيقة تثبت ملكية السعودية للجزيرتين، أم أنها احتفظت بالسيئتين معا؟

أما المحطة الثالثة فى هذا المسار البائس فهى مناقشة قضية ترسيم الحدود داخل البرلمان، وهنا شاهد الشعب المصرى «أم المهازل»، فقد تم تجاهل حكم مجلس الدولة وقدمت الحكومة تقريرا ضعيفا وهشا قالت فيه إنها ترد على الحجج المضادة التى تثبت مصرية الجزيرتين، وهو تقرير يزيد من قناعة أى صاحب رأى حر بمصريتهما، نظرا لضعفه الشديد فى الصياغة والمضمون.

سوء أداء رئيس البرلمان وانحيازه الفج لرأى واحد واتهامه (ويا للعجب) المدافعين عن مصرية الجزيرتين بأنهم عملاء ومأجورون، وحجبه كل آراء الخبراء التى تقول بمصرية الجزيرتين، وحين جاءت بالغلط خبيرة ترسيم الحدود هايدى توفيق وقالت بشجاعة إن الجزيرتين مصريتان تعرضت لإهانات وشتائم (معروفة المصدر كما هى العادة) اضطرتها للخروج من الجلسة باكية.

من المفترض أن قضية ترسيم الحدود بين أى بلدين شقيقين أو حتى عدوين تدار وفق وثائق تاريخية وحجج قانونية ولا يفترض أنه يوجد مواطن فى أى بلد فى العالم يسهر الليالى ويصرخ صباحا ومساء من أجل إثبات أن جزءا من أرضه يخص دولة أخرى!!.

نعم لم يحدث هذا فى أى دولة أخرى فى العالم، ولكنه حدث فى مصر، وإذا قبل البعض ذلك باعتباره «كرما مصريا» أو إعادة الحقوق لأصحابها، فهذا يعنى أن المؤيدين لسعودية الجزر قرروا إعادتها لأنهم اقتنعوا بأنها سعودية ولم يفرطوا أو يبيعوا فلماذا إذن يخافون من الرأى الآخر الذى يقول إنها مصرية ويحجبونه على مواقع التواصل الاجتماعى وفى الفضائيات وداخل البرلمان، بل ويقمعونه إذا نزل فى مظاهرة سلمية أو شارك فى وقفة احتجاجية.

لقد دخلنا فى مسار بائس منذ اليوم الأول، ملىء بالتخبط والعشوائية وسوء الأداء واستخفاف مهين وجارح بالشعب المصرى، حتى تحولت قضية الجزيرتين إلى قضية كرامة وطنية، وليس فقط حجج قانونية حتى لو كانت الوثائق الأقوى هى التى تقول بمصريتها وسيادة مصر عليها مؤكدة.

وسيبقى الحكم التاريخى الذى قدمته هيئة محكمة القضاء الإدارى، برئاسة المستشار أحمد الشاذلى، فى 59 صفحة (كلام موثق وحجج قانونية راقية لم يرد عليه مسؤول واحد إلا بالشتائم)، بمصرية الجزيرتين نبراسا للعدالة والأجيال القادمة، حين ذكر ونحن معه: «واستقر فى عقيدة المحكمة أن سيادة مصر على الجزيرتين مقطوع بها، ودخول الجزيرتين ضمن الأراضى المصرية من السيادة المستقرة له».

المصدر: صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسار البائس المسار البائس



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab