بقلم - عمرو الشوبكي
نجحت مصر فى حصار الإرهاب وتوجيه ضربات قاصمة لتنظيمات العنف والتطرف بعد مواجهات امتدت لسنوات طويلة سقط فيها آلاف الشهداء من رجال الجيش والشرطة والمواطنين الأبرياء، وتبقى معركتها مع الأفكار المتعصبة والمتشددة هى معركتها القادمة.
والحقيقة أن الأفكار المحافظة أو المتعصبة التى ينحاز فيها البعض، المسلم للمسلم أو المسيحى للمسيحى، تخلق بشرًا رجعيين أو طائفيين وليسوا إرهابيين، فأصحاب الأفكار المتشددة يجب مواجهتهم بفكر معتدل فى كل المجالات: الدين والثقافة والسياسة والاقتصاد، حتى لو كان هؤلاء يكتفون بحمل أفكار متشددة ولم يفكروا للحظة أن يعتدوا على مسيحى أو يبرروا إرهابه حتى لو لم يؤمنوا بحقة فى المواطنة الكاملة.
والحقيقة أن هؤلاء المتعصبين المنحازين لأبناء ديانتهم هم جزء من المجتمع وبعض أفراده، وأن تغيير قناعتهم ودفعهم نحو الإيمان بالمواطنة الكاملة لا يعنى محاربة الدين أو تهميش دوره الثقافى والاجتماعى والأخلاقى سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين، إنما يعنى بناء مشروع لتقدم هذا البلد قائم على المواطنة الكاملة، وهذا يتطلب جهودًا سياسية ومبادرات أهلية ودولة قانون تحاسب، وهى كلها أمور جوهرها سياسى واجتماعى قبل أن يكون دينيا. مطلوب أن نواجه الطائفيين بمشروع سياسى واجتماعى يعتبر الكفاءة هى القيمة العليا فى النظام السياسى، وعلى أساسها يحدث الترقى والصعود المهنى، وبالتالى تتحول قضية المواطنة إلى ممارسة فى الوقع وليست شعارات، فأى بلد ينوى التقدم سيعتمد على الكفاءات بصرف النظر عن دينها، وهو ما سيعنى مواجهة الطائفية والتمييز بشكل علمى وعملى فى أرض الواقع. يقينًا، مصر تواجه تحديًا كبيرًا اسمه بناء المواطنة الكاملة، وتواجه أفكارًا وتيارات غير مؤمنة بقضايا المواطنة، ولكن هذه المشكلة ليست لها علاقة بالعنف والإرهاب الذى ينطلق من منطلقات أخرى وله تنظيماته المعروفة، وإن مواجهة قضايا التعصب والتمييز الدينى تجعلنا نتناسى الجوانب الأخرى فى عملية الإصلاح، وعلى رأسها قضايا الإصلاح السياسى وبناء دولة القانون والعدالة والتنمية وتجديد الخطاب الدينى، وهى كلها أمور تحاصر الطائفية وتعزز من مبادئ المواطنة بالممارسة وليس بالشعارات. معركة مصر مع تنظيمات التطرف والعنف هى معركة أمنية وسياسية ضد تنظيمات وجماعات نجحت الدولة فى حصارها وكسر شوكتها، أما الثانية فهى معركة مع أفراد وتيارات هم جزء من المجتمع، ولايزال طريق مواجهتها طويلا، لأنه يتطلب إصلاحا شاملا، وليس فقط إصلاحا دينيا، الذى قدم فيه الأزهر إصلاحات كبيرة فيما يتعلق بمناهجه وموقفه من قضية التحرش التى اعتبرها جريمة مكتملة الأركان، بصرف النظر عن زى الفتاة كما يقول البعض.
معركتنا مع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية نجحنا فيها حتى لو ظل هناك بعض الجيوب والخلايا المنعزلة، أما معركتنا مع المتعصبين والمتشددين فهى مازالت المعركة الأصعب، لأنها معركة تقدم هذا البلد.