بقلم - عمرو الشوبكي
أتناول اليوم اعتراض الأستاذ محمد طنطاوى، الذى نشرته أمس، على قيام «المصرى اليوم» بنشر آراء متعارضة لثلاثة من كُتابها حول الحرب الروسية- الأوكرانية، واعتباره ذلك يشتت القارئ، وتساءل عن آلية النشر التى تسمح بنشر هذا التعارض فى الآراء ووجهات النظر.
من المهم التمييز بين الخبر، أى الواقعة، وقراءة الخبر أو تحليله، وهنا مطالبة «المصرى اليوم» مثل أى وسيلة إعلامية أخرى بأن تنقل الخبر كما هو، فهناك هجوم روسى على أوكرانيا لا يمكن مهما كانت درجة حبك لروسيا أن تقول إن أوكرانيا هى التى هاجمت روسيا إنما ستعرض الوقائع كما هى وتصبح الصحيفة مطالبة بألا يكون هناك تحوير أو تلوين فى الخبر، أى الحقائق، «Facts»، ولكنها ستعطى مساحة لتحليل هذه الوقائع والأخبار لكُتاب الرأى والمحللين حتى لو كانت متعارضة.
وهنا يمكن الرد على من يقول إنه لا يوجد إعلام محايد أو مستقل، لأنها مقولة ينطبق عليها «حق يراد به باطل»، لأن الخلاف حول الحياد والاستقلالية طبيعى، لأنهما أمران نسبيان، ولكن المعيار الفاصل فى الحكم على أى مؤسسة إعلامية هو مهنيتها.. والمقصود ليس أنها فقط تسمح بالرأى والرأى الآخر حتى لو كان متعارضًا، إنما تنقل الخبر أو الواقعة دون اختلاق أو فبركة.
الإعلام المهنى هو الذى يقدم لك الخبر دون تزييف، وقد يحلله بانحياز وفق سياساته التحريرية.. أما تنوع الآراء، خاصة مقالات الرأى، فهو أمر سائد فى كل الصحف العالمية الكبرى، والضوابط الموضوعة تقوم أساسًا على عدم تعارض هذه المقالات مع السياسة التحريرية للصحيفة أو تخالف القانون بالتحريض على الكراهية والعنف مثلًا.
الحرب الروسية فى أوكرانيا من أكثر المواضيع إثارة للجدل فى الصحافة العالمية، وإن الخلاف بين المحللين والكُتاب حول نهايتها كبير، والتوقعات فى هذا الشأن متعارضة.. ولذا ستجد أن ما كتبته حول هذا الجانب كان فى صيغة تساؤل حول قرب انتهاء الحرب وليس السلام أو التسوية الشاملة. صحيح أن إجابتى كانت أننا بالفعل اقتربنا من نهاية الحرب، ورأى آخرون غير ذلك، وهو مصدر ثراء يجب على القارئ أن يختار بين هذه الرؤى وفق قناعاته هو أيضًا.
مقالات الرأى قائمة على التعارض وعلى النقاش الحر ودحض الآراء.. وإن تقديرى أن مصر لا تشهد بصورة كافية هذا النقاش وهذا الخلاف حول الأفكار، لأن فى كثير من الأحيان يغلب الشخصى على الموضوعى، وكثيرًا ما تكون دوافع الخلافات شخصية، لذا يجب أن نحتفى بصراع الأفكار البعيد عن الشخصنة، وأن نعتبر ذلك مصدر ثراء، ليس فقط للصحيفة وإنما لمصر كلها.
النقاش الذى دار حول الحرب فى أوكرانيا ومستقبلها على صفحات «المصرى اليوم» فى صالح الأخيرة، وإن التنوع ميزة كبرى، وصراع الأفكار ميزة أكبر.