بقلم : عمرو الشوبكي
معضلة التصويت المصرى فى مجلس الأمن لصالح القرار الروسى الخاص بسوريا، تكمن أساسا فى أنه صوت فى نفس الوقت لصالح قرار آخر هو المشروع الفرنسى، والحجج التى صاغها مندوب مصر فى مجلس الأمن للدفاع عن هذا التصويت لم تكن مقنعة، وإن تصور أننا يمكن أن نضحك على العالم أو نخترع العجلة من جديد ونقدم نموذجا لم تقدم عليه أى دولة من قبل بمن فيها مصر بأن تصوت لقرارين قرأتهما كل دول العالم أنهما متعارضان إلا نحن، وظهرنا وكأننا مع الجميع فى حين لم يعتبرنا أحد أننا معه وخسرنا أكثر مما ربحنا.
وكما تعلمنا فى علم السياسة أن أفضل سياسة خارجية هى تلك التى تعرف أن العالم به درجات وأنواع من الحلفاء والخصوم، والمهم أن يكون حلفاؤك أكثر من خصومك، وألا تصل فى معركتك مع خصومك لمرحلة العداء الكامل وأن تحتفظ دائما معهم بشعرة معاوية.
أما مسألة «حبيب الكل»، الذى يصوت على قرارات وعكسها، فهذا اختراع مصرى ضار بصاحبه وخَصمٌ من رصيده، وأثار دهشة العالم وأفقده ثقته.
حِسبة التصويت مع القرار الروسى تعنى الامتناع عن التصويت لصالح القرار الفرنسى، وفق ما تعلمه أى طالب مبتدئ فى العلاقات الدولية، والعكس صحيح، فإذا قررنا أن نصوت لصالح القرار الفرنسى، وأردنا أن نجامل روسيا «ولا نُزعل» السعودية فسنمتنع عن التصويت على القرار الروسى طالما صوتنا لصالح الفرنسى، لا أن نؤيد الاثنين كما فعلنا.
والحقيقة أن التصويت مع القرار الروسى يعنى سلة كاملة «Backage» من الاستحقاقات وربما المكاسب، فهو قد يعنى الاقتراب من حلف ممانع للولايات المتحدة والغرب يضم روسيا وتركيا وإيران، فى حين أن المفارقة أن مصر علاقتها شبه مقطوعة مع إيران وسيئة مع تركيا، وروسيا لم نقنعها حتى بجديتنا فى تأمين مطاراتنا حتى تعيد السياحة، ولم نستطع أن ننال ثقة البلاد غير الديمقراطية التى لا تناقشنا من الأصل فى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهى مصدومة من سوء الأداء والتخبط وعدم الوضوح فى كثير من مواقفنا الخارجية.
إن التصويت مع روسيا قرار سيادى مصرى حتى لو أغضب السعودية، ومشكلته ليس فى أنه أغضبها إنما أضرنا ولم نستفد منه، فقرارات من هذا النوع لا بد أن تخضع أولا لدراسة متأنية لمصالحنا الاستراتيجية وأولوياتنا السياسية. ونخلص إلى أن موقفنا هذا يحقق مصلحة عليا لنا، فنُقدم عليه مهما كانت النتائج والتبعات.
معضلة التصويت المصرى ليست فى أنه صوّت مع روسيا إنما هو صوّت مع فرنسا، أى مع الدولة التى تقدمت بمشروع بدل أمريكا فى مواجهة المشروع الروسى، ومهما قيل من حجج ومبررات فهذا الموقف جزء من حالة «العك» الداخلى التى صدّرناها للخارج.
المحزن أننا كنا بدأنا فى تقديم صورة جديدة لسياسة مصر الخارجية، تُوازن فى علاقتها بين القوى الكبرى، وتنفتح على عالم جديد خارج العالم الأمريكى بعد أن بقينا 40 عاما أسرى حدوده وتصوراته وانفتحنا مؤخرا على روسيا والصين والهند.
للأسف، نحن الآن نتخبط، ونقوم بالفعل وعكسه، ولا توجد هناك استراتيجية واضحة لسياساتنا الخارجية (مثل الداخلية)، ولم نستطع أن نكون حلفاء حقيقيين لروسيا أو للسعودية أو لأمريكا، فهل يمكن أن نراجع هذا التخبط بقليل من العقل والحكمة؟.