بقلم : عمرو الشوبكي
أمر مفهوم ألا يتمنى الكثيرون فى مصر فوز هيلارى بعد موقفها الداعم للإخوان، والمعارض لـ30 يونيو. أما أن يهلل البعض لفوز ترامب نكاية فى كلينتون فهو موقف يذكرنا فى الحقيقة بما هو أسوأ من موقف عاصرى الليمون حين انتخبوا مرشح الجماعة الدينية (محمد مرسى) متصورين أنه مرشح الثورة بدلاً من مرشح الدولة الوطنية (أحمد شفيق)، على اعتبار أنه «فلول»، وكانت التداعيات على مصر مدوية.
دونالد ترامب أصبح الرئيس رقم 45 لأمريكا، وهو الرئيس الذى تبنى مقولات عنصرية ومتعصبة طوال حملته الانتخابية بدأها بالتركيز على العرب والمسلمين، حين طالب بمراقبة المساجد وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بهم، وقال: «لا نحتاج إلى النظر فى بيانات استطلاعات الرأى حتى يتضح للجميع أن هناك كراهية نعجز عن فهم أسبابها»، وتساءل: «من أين تأتى تلك الكراهية؟ وما أسبابها؟ هذا هو ما علينا التوصل إليه، ولا يمكن ترك البلاد فريسة لهجمات مروعة من أناس لا يؤمنون بشىء آخر سوى (الجهاد)، ولا يحترمون حياة الإنسان».
ولم يترك ترامب باقى الأقليات العرقية فى حالها بل دعا، ولأول مرة فى تاريخ الولايات المتحدة، إلى بناء حائط على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة لمنع تسلل من تصفهم بأنهم «مغتصبون» و«مدمنو مخدرات».
ولعل عودة مقترح ترامب للظهور مرة أخرى على موقع حملته الانتخابية بعد أن رُفع لعدة أشهر، وطالب فيه بعدم السماح للمسلمين بدخول أمريكا، يدل على أن هذا الموقف لم يكن مجرد تصريح عابر إنما موقف عنصرى أصيل.
يقينا معضلة ترامب ليست أساسا فى تصريحاته المنفلتة ولا فى كراهيته للأجانب، وفى القلب منهم العرب والمسلمون، لأن هناك تيارا واسعا فى الغرب بات يكرههم عقب انتشار الإرهاب وربطه بالمسلمين، إنما فى كونه حاملا لمشروع عقائدى متطرف قادر على إيذاء ليس فقط العالم العربى، وفى القلب منه مصر، إنما أيضا أمريكا ومعها العالم أجمع.
صحيح أن التحدى الأكبر الذى ستواجهه أمريكا عقب تولى ترامب رئاسة الجمهورية هو فى قدرة مؤسساتها العملاقة على أن تهذب خطابه السياسى المتطرف وشططه الفكرى، وهو تحد تواجهه كل ديمقراطيات العالم فى مواجهة مثل هذه النماذج.
إن السلطة القضائية المستقلة، والسلطة التشريعية المنتخبة ديمقراطيا، والإعلام الحر أو شبه الحر- هى كلها عناصر تساعد على إعادة صياغة تجربة أى حزب سياسى متشدد أو رئيس متطرف بشكل جديد، وتعدل فيها لتصبح داخل إطار القيم العامة للمجتمع، وتجبره على احترام مبادئ الدستور والقانون، وفى حال فشل هذه المؤسسات فى تحقيق ذلك بشكل سلمى وديمقراطى نصبح أمام بلد منقسم سياسيا ومجتمعيا، ومهدد فى سلمه الأهلى حتى لو كان بحجم أمريكا.
مدهش أن يفرح كثير من المؤيدين بقدوم ترامب ونسوا الخبرة المصرية والعربية مع جمهورى آخر هللوا له هو جورج بوش الابن، وكان وبالاً على المنطقة بغزوه للعراق وبتدخله الفج فى شؤوننا الداخلية، واعتبر نفسه صاحب رسالة عقائدية ودينية سامية.
على المهللين لترامب ألا يفرحوا كثيرا بالطبعة الأمريكية من تجربة الإخوان (رغم العداء المعلن بين الجانبين)، صحيح أن السياق كما سبق أن ذكرنا مختلف، إلا أن العالم كله دفع ثمنا باهظا لمن تصوروا أنهم ليسوا مجرد رؤساء إنما منقذون لأوطانهم، أو مدافعون عن صحيح الدين، أو عن تفوق الرجل الأبيض، فكلهم كانوا وبالاً على بلادهم وعلى الإنسانية.