وعد بلفور الذى نسيناه

وعد بلفور الذى نسيناه

وعد بلفور الذى نسيناه

 العرب اليوم -

وعد بلفور الذى نسيناه

بقلم : عمرو الشوبكي

هى مفارقة لا تخلو من دلالة أن تمر ذكرى وعد بلفور على بلد مثل مصر دون أى حديث صحفى يذكر أو نقاش بحثى من أى نوع. فشهر نوفمبر من هذا العام هو تاريخ الذكرى المائة لرسالة وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور، التى كتبها فى 2 نوفمبر 1917، وأكد فيها أن حكومته ستبذل قصارى جهدها لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.

صحيح أن وعد بلفور عبَّر عن نوايا غربية وبريطانية فى خلق دولة يهودية فى فلسطين ترتب عليها طرد وتهجير 750 ألف مواطن عربى فلسطينى من أرضهم، إلا أن الوعد لم يكن المسؤول الوحيد عن احتلال فلسطين، إنما جملة من العوامل كثير منها داخلى يتعلق بالأوضاع العربية نفسها وبأدائنا السياسى وتراجعنا الحضارى والعلمى على مدار قرن من الزمان. والحقيقة أن هناك ثلاث علامات كبرى مهم تأملها فى رحلة وعد بلفور الممتدة على مدار قرن من الزمان: أولاها أن الانحياز الغربى لإسرائيل يجب التعامل معه باعتباره معطى وليس اكتشافا ولا حجة للولولة أو تبرير الفشل الداخلى بممارسات الاستعمار وتحيزاته، إنما هو واقع ثقافى وسياسى أن أوروبا تضمن أمن إسرائيل وتحميها وأن الولايات المتحدة تكاد تعتبرها ولاية أخرى من ولاياتها الأمريكية، وأن فرص العرب فى الانتصار على إسرائيل ستكون أساسا فى ساحة المواجهة الحضارية والاقتصادية والسياسية وهو ما خسرناه بامتياز على مدار قرن من وعد بلفور.

أما العلامة الثانية فهى نجاعة التكتيكات الإسرائيلية وعجز التكتيكات العربية، فإسرائيل منذ إعلان مؤسس الصهيونية هرتزل فى القرن 19 بضرورة إنشاء دولة يهودية، مرورا بوعد بلفور فى القرن العشرين، وهى تضع لنفسها هدفا بعيدا هو احتلال أرض الغير وبناء دولة عبرية على أنقاضها، ولتحقيق هذا الهدف استخدمت تكتيكات الاستضعاف و«المسكنة» وغيبت الصوت العالى وبدت دائما وديعة تقبل بالحلول الوسط وتروِّج بأنها تقدم تنازلات يرفضها العرب، فقبلت بقرار التقسيم الذى رفضه العرب فى 1947، رغم أن هدفها النهائى هو احتلال كل فلسطين، وفى نفس الوقت قبلت بوسائل وتكتيكات تحقق جزءا من هذا الهدف حتى وصلت إلى أهدافها كاملة بالتدرج.

بالمقابل فإن الجانب العربى دشن المعلم الثالث فى رحلة وعد بلفور بأن قام فى أغلب الأحيان بعكس ما فعله الطرف الأقوى، أى إسرائيل، فالعرب اعتمدوا غالبا سياسة الصوت العالى والهتافات الزاعقة وخطاب التهديد والوعيد، وتكرار هدفهم الغائى، أى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر دون أن يبنوا وسائل أو تكتيكات ناجعة توصلهم لهذا الهدف.

لقد ظل الخطاب العربى منذ تأسيس إسرائيل وحتى هزيمة 67 خطاب الغايات القائم على عدم الاعتراف بالدولة العبرية ورفض أى تفكير فى بناء دولة فلسطينية على الأراضى التى لم تحتلها إسرائيل إلا عقب حرب 67، ولو كان ذلك قد حدث وقبل العرب بإنشاء دولة فلسطينية على أرض يسيطرون عليها بما فيها القدس الشرقية واعتبروا مثلما فعلت إسرائيل أنها دولة غير محددة حدودها (بما يعنى فتح الباب أمام الحلم العربى التاريخى ببناء دولة علمانية يعيش فيها العرب واليهود فى فلسطين التاريخية)، ولكنهم لم يناقشوا أصلاً فكرة وجود دولة فلسطينية على هذا الجزء من أرضها حتى فقدوه فى 67 وأصبحت الغاية هى بناء دولة فلسطينية ولو على أجزاء من هذه الأرض.

مائة عام من وعد بلفور كانت خسائر مؤلمة لنا، بعضها تتحمله بريطانيا والقوى الكبرى، وكثير منه نتحمله نحن، ومازلنا حتى هذه اللحظة نجتر نفس الأخطاء القديمة، فهناك من لايزال يتاجر بالقضية الفلسطينية ويعتبر، وهو الذى لم يطلق طلقة شاردة على إسرائيل منذ حرب 73، أنه نظام ممانعة ونضال، وهناك أيضا من يعتبر إسرائيل واحة الديمقراطية والتقدم ويتناسى أنها دولة احتلال استيطانى عنصرى. والحقيقة أن المطلوب هو وضع استراتيجية جديدة لمواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين وفى خارجها، وقطع الطريق على أدعياء المقاومة والنضال «الميكروفونى» برفض التحالفات التى يحاول أن يفرضها البعض بين دول عربية وإسرائيل، فمعركتنا معها ليست عسكرية، إنما هى معركة قانونية وسياسية تضع نصب أعينها هدفا رئيسيا أن هناك دولة احتلال ضربت بكل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط، وأن ثنائية الاعتدال والممانعة التى قسَّمت زوراً وبهتاناً العالم العربى على مدار 40 عاما يجب أن تغلق، فلا الممانعون حاربوا وقاوموا، ولا المعتدلون جلبوا تنمية ورخاء.

100 عام على وعد بلفور تعنى ضرورة النظر فى المرآة لكشف أسباب التراجع والانكسارات، ولأننا لا نقرأ جيدا تاريخنا ولا نتعلم من أخطائنا فمرت ذكرى وعد بلفور على كل صحفنا المصرية ومعظم صحفنا العربية بتجاهل كامل ملفت وصادم، فى حين كانت هى حديث العالم كله شرقا وغربا حتى الصحف البريطانية تكلمت عن الوعد وعن الاعتذار عنه، وهو لن يتم إلا بالعدالة وبناء دولة فلسطينية مستقلة فى معركة جوانبها السياسة والقانون والإعلام.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وعد بلفور الذى نسيناه وعد بلفور الذى نسيناه



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab