بقلم : عمرو الشوبكي
عُنونت كثير من الصحف والمواقع العربية بهذا الخبر: «دى ميستورا ينوى المجازفة بالذهاب إلى حلب». فقد أعلن المبعوث الأممى لسوريا استعداده لمرافقة 8 آلاف مقاتل من المعارضة موجودين شرق حلب وإخراجهم من المدينة حفاظا على أرواح عشرات الآلاف من المدنيين طالهم القصف الروسى طوال الأسبوع الماضى وخلّف مئات الضحايا فى صفوف الأبرياء.
وأكد الرجل خلال مؤتمر صحفى يوم الخميس الماضى فى جنيف: «أننا فى حالة (طوارئ) فى سوريا وحلب تحديدا، ولست مخولاً بتقديم ضمانات لجبهة النصرة لمغادرة حلب، ولكن لن نقبل أن تقع مجازر فى شرق حلب تشبه رواندا وسربرنيتسا»، واعتبر أن وقف التواصل الأمريكى- الروسى شكّل انتكاسة فى سوريا.
هكذا قرر المسؤول الأممى المجازفة، أو هكذا أعلن استعداده الذهاب إلى حلب، فى حين اكتفى المسؤولون العرب داخل جامعة الدول العربية وخارجها بالمشاهدة أو الإدانة أو إبداء التعاطف اللفظى، دون أى قدرة عملية على التحرك لوقف المأساة السورية.
والمؤكد أن قضية وجود مبعوث أممى لكل ملف أو كارثة عربية تحتاج إلى التأمل، وأن الدور التقليدى الذى اعتادت أن تقوم به جامعة الدولة العربية فى التعامل مع ملفاتنا العربية بات هو الآخر يحتاج إلى مراجعة جذرية، ولم يعد بمقدور الأمين العام للجامعة ولا مساعديه القيام بدور فعال على الأرض (غير البيانات المعتادة) إلا إذا وُضع تصورٌ جديدٌ لعمل الجامعة فى الفترة القادمة.
ففى سوريا، هناك مبعوث خاص للأمم المتحدة هو دى ميستورا، لم يستطع أن يحل المعضلة السياسية، ولكنه أشرف على تقديم مساعدات إنسانية كثيرة للشعب السورى، وفى ليبيا، هناك المبعوث الأممى مارتن كوبلر، الذى تعثرت كل جهوده حتى الآن، لأنه ينطلق من تصور خاطئ يعتبر أن مشكلة ليبيا فى وجود انقسام سياسى بين تيارات ومناطق مختلفة، تتطلب الجلوس معا والتوقيع على اتفاقات (لم تُحترم)، والحقيقة أن هذا جانبٌ من المشكلة، فى حين أن المشكلة الأكبر تكمن فى غياب الدولة الوطنية الليبية، وعدم التوافق على آلية لاستعادتها مرة أخرى بعيدا عن سطوة الميليشيات.
والمفارقة الأكبر تكمن فى اليمن، ففى الوقت الذى تخوض فيه قوات التحالف العربى حرباً عنيفة ضد ميليشيات الحوثى وصالح، فإننا سنجد أن الأمم المتحدة هى التى أرسلت مواطنا عربيا كمبعوث لها فى اليمن، وهو الموريتانى إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وغابت الجامعة العربية.
والحقيقة أنه فى ظل تراجع الوزن الدولى للعالم العربى، وبالتالى الجامعة العربية، فإنه لم يعد لدينا أى طموح أن نلعب أدواراً عالمية، مثلما تفعل دول إقليمية محيطة، كتركيا وإيران، أو دولة احتلال مثل إسرائيل، إنما فقط أن نجازف مثلما فعل دى ميستورا وأن يكون لدينا دور رئيسى فى التعامل مع قضايانا ومصائبنا.
لماذا لا تفكر جامعة الدول العربية فى تعيين مبعوثين دائمين لها فى مناطق النزاع فى العالم العربى بالتوازى مع المبعوثين الأمميين، أم أننا سنظل دائما أسرى الصورة، ومن سيأخذ اللقطة (الجامعة أم المبعوث) وننسى الجوهر، أى القضايا محل النزاع؟
علينا أن نشعر بالأسى على أحوالنا حين نجد أن هناك مبعوثا دوليا لكل أزمة أو كارثة عربية، ونعتبر الأمر عاديا، فى حين أن المطلوب أن يكون هناك أولا مبعوث خاص لجامعة الدول العربية فى الملف السورى والليبى واليمنى يكون له الصوت الأكثر تأثيرا حتى لو أرسلت الأمم المتحدة مبعوثا «يجازف أو لا يجازف»، فلابد أن نكون حاضرين وبقوة على الأقل، فيما يخص الصراعات العربية- العربية.