بقلم -عمرو الشوبكي
فى سنة ١٩٣٨ وقّع طلعت حرب باشا مع شركة «برادفورد» الإنجليزية اتفاق شراكة بين مجموعة شركات بنك مصر وشركة «برادفورد» لإنشاء مصنع «صباغى البيضا» لتجهيز الأقمشة والصباغة فى كفر الدوار، ليكون صورة طبق الأصل من نظيره فى مدينة برادفورد بإنجلترا، وذلك برأسمال قدره 250000 جنيه مصرى، تمتلك برادفورد 80% من الأسهم، فى حين يمتلك بنك مصر الـ20% الباقية،
وقد استعانت الشركة بالمعماريين السويسريين جون سيرجيانت وماكس زوليكزفر لتصميم المدينة السكنية للعاملين بالشركة، لتكون من أولى المدن السكنية الصناعية فى مصر، وقد تم تصميمها على النسق الأوروبى، وتحتوى على سوق ومسجد ودار سينما ونادٍ رياضى واجتماعى ومستشفى طبى، مما أغرى الكثيرين فى هذا الوقت بالهجرة وبداية حياة جديدة فى هذه المنطقة، حيث ضمت مبانى على طراز معمارى خاص ومميز، وُضعت على قائمة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى مثل مبنى استراحة الشركة الذى يقع على مقربة من المدينة السكنية.
وقد تم تأسيس الشركة بالأساس لتقوم بصباغة وتبييض كل الأقمشة التى تنتجها رفيقتها شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار، التى أُنشئت فى نفس الوقت، وقد قُدر عدد عمال الشركتين بما يزيد على أحد عشر ألفًا من العمال والمهندسين والموظفين.
وظلت «برادفورد» تمد «صباغى البيضا» بكل تقنيات وابتكارات الصناعة، وكانت بمثابة بيت خبرة عالمى لها يمدها بأحدث التقنيات حتى قام الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم شركة «صباغى البيضا» فى عام 1956 وضُمت إلى شركات القطاع العام المصرى.
من حوالى شهر قررت الشركة تقطيع كل الأشجار وبيعها، وهو مشهد بات متكررًا فى كثير من مناطق القاهرة، ومع ذلك مازال هناك كثير من الناس يؤذيه هذا التجريف غير المبرر للأشجار والأحياء القديمة، ومنهم الأستاذ شريف عصام البدالى الذى حكى هذه القصة، وتقدم بشكوى رسمية على موقع الحكومة، وجاء الرد بأن قطع الأشجار بسبب كورونا!!!
وقالت الحكومة فى ردها إن إدارة الأمن بالشركة اعتبرت أن هذه الأشجار تقف عليها طيور ضارة بالصحة، وتمثل مصدرًا لانتشار وباء كورونا.
ورغم أنه لا توجد دراسة علمية تقول إن الطيور أو الحيوانات بشكل عام ناقلة للعدوى إلا أن السؤال المطروح: لماذا نتصور أن بناء أى جديد يعنى تدمير القديم، الذى يمثل مصدرًا أساسيًا لجمال مصر ورونقها؟ لدينا صحراء شاسعة نستطيع أن نبنى فيها مدنًا وأحياء جديدة كما جرى ويجرى حتى الآن.
إذا لم نعتبر أن قيمة القاهرة وسحرها وحضورها العالمى (حتى بالمعنى السياحى والمالى) سيكون بالحفاظ على كل شجرة وكل بيت وكل حى يمتد عمره لقرن من الزمان، فإننا بذلك نخصم من مستقبلنا وليس فقط من حاضرنا وماضينا.
مطلوب إعطاء مزيد من الصلاحيات لجهاز التنسيق الحضارى لوقف اعتداءات كثيرة على تراثنا التاريخى.