التأييد لا يعنى مسح العقول

التأييد لا يعنى مسح العقول

التأييد لا يعنى مسح العقول

 العرب اليوم -

التأييد لا يعنى مسح العقول

بقلم : عمرو الشوبكي

هناك دائما جماهير غالبة مؤيدة لكل النظم السياسية منذ عهد عبدالناصر مرورا بالسادات ومبارك وانتهاء بالسيسى، وفى كل المراحل كانت هناك رواية سياسية ما يلتف حولها المؤيدون، وحتى حين تراجعت السياسة فى عهد مبارك ظلت هناك حجج ما للتأييد تنتمى للمنطق والعقل.

فى عهد عبدالناصر دعمت الناس قائدا وزعيما حقيقيا امتلك مشروعا سياسيا متكاملا نجح وأخفق، وحارب الاستعمار بجد لأننا كنا بلدا محتلا، وواجه العدوان الثلاثى على ضفاف القناة، وإذا صادف أن وصف أعداءه بأنهم أشرار فإننا نعرفهم وفق تعريفات عصره بأنهم المسؤولون عن الاستعمار والرجعية، فخصومه محددون يعرفون لماذا يكرهون عبدالناصر، ومؤيدوه يقولون كلاما عاقلا فيه مائة سبب لتأييده، بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف مع ما قاله المعارضون والمؤيدون.

وفى عهد السادات عرفت مصر رواية «ساداتية» متكاملة نالت فى البداية تأييد قطاع واسع من المصريين حين استعاد الرجل بشجاعة سيناء عقب حرب ومبادرة سلام، ووقَّع مع إسرائيل اتفاقية سلام، وربط بين التسوية السلمية والرخاء الاقتصادى، وكان مؤيدو الرئيس السادات يتناقشون (حين دخلنا الجامعة فى نهاية السبعينيات) مع خصومه بحجج سياسية معروفة: لماذا الحرب من أجل الآخرين (العرب)؟ لقد حررنا أرضنا بدمائنا، وأفقرتنا الحروب المتتالية ضد إسرائيل، وأن دفاعنا عن القضية الفلسطينية سبب أزماتنا الاقتصادية!

وبصرف النظر عن موقف البعض من هذه المقولات، إلا أنها كانت وراءها أفكار سياسية ربما كانت حجر الزاوية، الذى قام عليها ما يمكن تسميته «مدرسة اليمين العربى»، التى دعت إلى حل الصراع العربى الإسرائيلى بالطرق السلمية، وتوثيق العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وبناء نظام رأسمالى فى الداخل.

وحين تحركت كتلة حرجة من المصريين، رافضة استمرار حكم مبارك (30 عاما) فى ثورة يناير، ونجحت فى إسقاطه، رفض قطاع كبير من المصريين فكرة إسقاط مبارك عبر ثورة، وطالب البعض ببقائه حتى انتهاء مدته الرئاسية (فى سبتمبر من العام نفسه)، فى حين أيد الكثيرون الثورة، ولكنهم رفضوا ما جرى عقب تنحى مبارك من فعاليات ثورية ومظاهر للفوضى عرفتها البلاد على مدار 3 سنوات.

وفى كل الأحوال عرفت مصر نقاشا سياسيا حادا بين المؤيدين والمعارضين، لم يعكس دائما وعيا عميقا، وكان فيه أحيانا بعض الخداع، ولكنه فى النهاية حمل مضمونا عاقلا أعطى أملا بأن هذا البلد مازالت لديه فرصة للتقدم وبناء دولة القانون وقبول التنوع والأفكار المختلفة.

واللافت أن التحول الذى شهدته مصر عقب «30 يونيو» أعطى الحكم الجديد فرصة تاريخية لأن يكون هناك إطار سياسى لتيارين، أحدهما محافظ وتقليدى ومرتبط بالنظام الأسبق (نظام مبارك)، وآخر مدنى ديمقراطى تقدمى مرتبط بثورة يناير، وأيد رموز التيارين انتفاضة الشعب فى «30 يونيو» وتدخل الجيش فى «3 يوليو»، ومع الوقت غاب فكر التيارين من أى نقاش عام لصالح الكلام الفارغ، وتراجع دورهما بشكل لافت إلا مَن اعتادوا تأييد كل النظم وفقا لتوجيهات تُطلب منهم.

لقد تراجع حجم المؤيدين الطبيعيين الذين اعتدنا عليهم طوال تاريخ مصر المعاصر، وشهدنا نماذج مسخا من أصحاب العقول الممسوحة تردد كلاما فارغا وأكاذيب مضحكة حلت مكان اللغة السياسية التى كان يحملها نظام «30 يونيو» فى بدايته.

مُحزِن أن يكون جانب رئيسى من دعاية التأييد هو روايات عن أَسْر قائد الأسطول السادس الأمريكى، وعن 600 مليار دولار وجدها رجال القوات المسلحة فى جبل الحلال بسيناء، وعن رجال المخابرات البريطانية، الذين أُلقى القبض عليهم فى سيناء، وجاء وزير خارجية بريطانيا للإفراج عنهم، وكذلك فعلت المستشارة الألمانية «ميركل» أثناء زيارتها لمصر.

وانتشرت مؤخرا رواية أخرى- عشية زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للمملكة العربية السعودية- تقول إن هناك صفقة لإنقاذ حكم الملك سلمان فى السعودية، بعد اكتشاف مصر مؤامرة دنيئة لقلب نظام الحكم فى المملكة العربية السعودية، لذلك كان اجتماع السيسى وسلمان، فى لقاء الإنقاذ والتراضى وتصفية الأجواء وترضية مصر، بضخ استثمارات بقيمة 27 مليار دولار، ومنحة 10 مليارات دولار لبناء مدينة رفح الجديدة، بـ10 آلاف وحدة سكنية و3 مستشفيات عالمية و3 مدارس و3 مساجد، بجانب منحة أخرى 10 مليارات دولار لبناء مدينة شرم الشيخ الجديدة وجامعة الاتحاد العربى للتكنولوجيا، وبناء قاعدة عسكرية مصرية فى جزيرة الفرسان السعودية جنوب البحر الأحمر، لحماية مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

مُحزِن أن نسمع كلاما سياسيا وخطابا متماسكا، أمس الأول، من ولى ولى العهد السعودى (أيا كان الاتفاق والاختلاف معه أيضا)، فى حين يردَّد فى مصر هذا الفهم والكلام الفارغ عن طبيعة العلاقة بين مصر والسعودية.

لم يحدث فى تاريخ مصر المعاصر أن شهدنا خطاب تأييد لنظام قائما على خرافات وقصص وهمية مجهولة المصدر تحتاج مستوى عقليا وفكريا شديد الضحالة، لكى تُصدَّق، حتى ربط البعض تأييده للحكم بترديد كلام فارغ عن المؤامرات اليومية، وعن انتصارات وبطولات وهمية، وغيَّبنا الكلام الجاد الذى يساعد على التقدم والنقاش المفتوح الذى يحترم التنوع.

خطورة هذا الكلام أن مُروِّجيه يعتبرون أن الشعب المصرى لا يستحق إلا الكلام الفارغ، فحشوا عقول البعض بخطاب تخلُّف حقيقى حتى تبقى البلاد على أوضاعها الحالية، فى حين أنه كانت هناك فرصة حقيقية للدفاع عن دوافع سياسية عاقلة دفعت قطاعا كان غالبا من المصريين إلى تأييد النظام الجديد، فى مواجهة معارضة مدنية أخرى اختلفت فى التفاصيل لا فى الجوهر، أما الآن فبات من الصعب تصور أن هناك نظاما سياسيا يمكن أن يستمر بنظريات المؤامرة والكلام الفارغ وتأييد أصحاب العقول الممسوحة، فمتى يغير من مساره ويصلحه؟

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 04:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف إطلاق النار

GMT 00:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 10:17 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

خطاب ترامب

GMT 05:30 2024 الأحد ,18 آب / أغسطس

الهدنة المرتقبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التأييد لا يعنى مسح العقول التأييد لا يعنى مسح العقول



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 22:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سامباولي مدرباً لنادي رين الفرنسي حتى 2026

GMT 02:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعلن أن إيلون ماسك سيتولى وزارة “الكفاءة الحكومية”

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مدربة كندا تفصل نهائيًا بسبب "فضيحة التجسس"

GMT 12:45 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أنجولو لاعب منتخب الإكوادور في حادث سير

GMT 05:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 06:07 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يعتزم حضور مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل

GMT 20:35 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل البحريني يجتمع مع الملك تشارلز الثالث في قصر وندسور

GMT 22:44 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غرامة مالية على بايرن ميونخ بسبب أحداث كأس ألمانيا

GMT 05:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 46 شخصا في غزة و33 في لبنان

GMT 20:55 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام علي تكشف عن ملامح خطتها الفنية في 2025

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة على أطراف بلدة العدّوسية جنوبي لبنان

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab